05‏/05‏/2017

حرب اليمن والإعلام والدعاية




يعتبر الإعلام اليمني هو العنصر الأكثر تأثراً بالحرب المشتعلة الآن في اليمن؛ في واقعة غير مسبوقة، أصدرت محكمة مسيطر عليها من جانب الحوثيين حكماً بالإعدام، في إبريل/نيسان الماضي، ضد الصحفي يحيى الجبيحي، بتهمة التخابر لصالح السعودية، مما يعكس المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها العاملين في الإعلام اليمني.

انعكست الحرب في اليمن سلباً على الإعلام على مستويات عدة، ففي عام 2016، وفي خطاب تلفزيوني، حذر قائد الحوثيين، عبد الملك الحوثي واصفاً الإعلاميين “بأنهم أخطر على البلاد من القوميين والمرتزقة،” مما يظهر عداء الميليشيات ضد الإعلام. يعوق هذا العداء قدرة الإعلام على توصيل الأخبار والتقارير عن حرب اليمن، مما يعمل على تجهيل متابع الأخبار اليمنية، حيث يعتمد على إعلام الميليشيات ويجعله ضحية سهلة للدعاية.

الحرب على الإعلام

يعاني الإعلام اليمني من تدهور وتراجع، حيث تمارس عليه الضغوط أثناء الصراع الحالي، ووفقا للمركز الوطني للمعلومات في اليمن، فإنه قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، كان لدى اليمن حوالي 295 قناة إعلامية، أربعة منها مملوكة للدولة، وأربعة عشر قناة تلفزيونية خاصة. بالرغم من هذا الاتساع الإعلامي، إلا أن مؤسسة فريدوم هاوس وضعت حرية الصحافة اليمنية ضمن القائمة الأسوأ في العالم، ومنذ ذلك الحين وهي في تراجع.

تعتبر السيطرة على الخطاب المحلي والعالمي مسألة حيوية بالنسبة للحوثيين. حينما سيطرت قوات الحوثي على صنعاء في 2014، قاموا بقصف مقر تلفزيون الدولة، بعدها على الفور قاموا باستبدال العاملين المهنيين في الإعلام بعاملين آخرين مواليين للحوثي. بينما كان يحدث ذلك في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، تم إغلاق الصحف والقنوات في الشمال والجنوب، كقناة الثورة التابعة للدولة وصحيفة 14 أكتوبر. قام الحوثيون بالسيطرة على قناة الثورة وحولوها إلى منبر موال للحوثيين يقوم بتغطية الشمال فقط، ومرت صحيفة 14 أكتوبر بنفس الظرف من قبل ائتلاف الجنوب. في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، تم شن حملة على الإعلام، حيث قام مزود خدمة الإنترنت، يمن نت، بحجب مواقع معينة تناهض الحوثيين، كما اتهم وزير الإعلام الحوثي المنابر الإعلامية بـ “التحريض على الخيانة”. أصبحت السيطرة على وسائل الإعلام أوسع انتشارا في العام 2015 عقب بدء السعودية في حملتها.

الآن، وفي المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، هناك عشرة مطبوعات ورقية مملوكة للحوثيين، وقناتين تلفزيونيتين مملوكة لهم أيضا، وقناة تلفزيونية واحدة مملوكة للرئيس السابق علي عبد الله صالح. في الجنوب، هناك عدد من القنوات التلفزيونية والصحف مستمرة في العمل، والأكثر انتشارا تعود ملكيتها إلى الرئيس عبد ربه منصور الهادي أو إلى الجنرال محسن الأحمر، كما أن هناك ثلاث مجموعات إعلامية مستقلة.

كانت أكثر الانتهاكات دموية ضد الصحافة في اليمن حين قامت قوات الحوثي باتخاذ اثنين من الصحفيين اليمنيين كدروع بشرية لحماية منشأة عسكرية مما أدى إلى وفاتهما. في واقعة أخرى، تم دس السم للمدون والمحقق الصحفي محمد العباسي، والذي عرف بكتابة تقارير عن فساد الحوثيين. بينما يعتقد الكثير بإن الحوثيين متورطون في هذا الحادث، إلا أن التحقيقات مازالت جارية. هذه الانتهاكات الواسعة ضد الصحافة في اليمن لم تجعل من اليمن أخطر الأماكن لعمل الصحفيين فحسب، لكنها أيضا تسببت في وضع الحوثيين كثاني أسوأ منتهكين لحرية الصحافة في العالم – وكان المركز الأول من نصيب تنظيم داعش.

في نفس الوقت، بدأ هادي وحكومته التركيز على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، كأداة وحيدة لنشر المعلومات منذ اليوم الذي هربوا فيه من صنعاء إلى عدن في فبراير/شباط 2015. تمكن هادي من الهروب بمساعدة وزيرة الإعلام السابقة نادية السقاف، والتي كانت تقوم بنشر منشورات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حول حالته الصحية الحرجة المزعومة تحت حصار الحوثيين. تم إصدار الأوامر لمسئولين آخرين كي ينشطوا على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، كما صرح مسئول يمني فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية. ركزت إدارة هادي على استخدام الإنترنت كوسيلة لنشر المعلومات في بلاد لا يتسنى سوى لربع مواطنيه الدخول على الإنترنت، وهم النخبة بالأساس. يبدو أن الحكومة المنفية تهتم أكثربتوجيه خطابها للمجتمع الدولي أكثر من اليمنيين.

تمثيل معيب لوسائل الإعلام

كنتيجة مباشرة لتعويق الإعلام وانحيازاته، فإن كلاً من المجتمع الدولي والشعب اليمني يحصلان على صورة مشوشة عن الحرب في اليمن. هذا الاضطراب في مجال الإعلام قلل من شأن أي تغطية إعلامية شاملة نسبياً للحرب في اليمن. كل طرف في التغطية الإعلامية يركز على اعتداءات العدو، وبشكل عمدي يقوم بتضخيمها، وذلك لتقديم الآخر بوصفه المعتدي الوحيد. الأهم هو أن كل طرف من الإعلاميين لا يؤجج الخطاب الطائفي بالضرورة، لكنه يؤجج الانحيازات الإقليمية والعدائية والعنف من خلال أنسنة طرف وتشويه الطرف الآخر. على سبيل المثال، كل طرف يصف الآخر بالمرتزقة سواء لصالح السعودية أو إيران، كما يتحدث عن قتلاه وكأنهم القتلى الوحيدون المستحقون للقب “ضحايا.”

كما تروي القنوات الإعلامية الاستقطابية رواية مختلفة عن بداية الحرب. بالنسبة لمؤيدي الحوثيين وصالح، فإن الحرب بدأت حين شنت السعودية مع حلفائها حملتها، بينما تؤكد وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة المنفية أن الحوثيين قاموا بانقلاب عسكري. بالنسبة لليمنيين، من المستحيل الحصول على صورة كاملة للصراع. في الشمال، فإن غير المسيسين يميلون تدريجيا لأن يتحولوا إلى تأييد الحوثيين، لإن معظم وسائل الإعلام موالية للحوثيين، والعكس صحيح في الجنوب. وكلما ازدادت الروايات المنحازة للحرب، أصبح من الصعب الوصول إلى اتفاق مصالحة وطنية ومحلية.

لدى وسائل الإعلام الدولية، خاصة العربية، مشاكل مختلفة بالنسبة للتغطية. بنظرة سريعة لعناوين الأخبار نرى أن هناك نقص في التغطية لليمن مقارنة بالأحداث العالمية الأخرى، وقلما ما تتصدر المقالات حول اليمن العناوين الرئيسية. هناك ثلاثة أسباب لهذا: أولا، أن قوات الحوثي إما تخفي قسرياً أو تسجن كل صحفي يمني لا يعمل في الدعاية لها، ثانيا، أن السعودية تشتري صمت الإعلام إلى جانب توظيف شركات علاقات عامة لتحسين صورتها في الإعلام، وأخيراٍ، فإن الصحفيين الأجانب المستقلين لا يمكنهم دخول البلاد.

يشعر اليمنيون المنتقدون للتغطية المحلية والدولية بخيبة الأمل والإحباط، فالمعلومات المنقوصة إلى جانب الشعور بالإحباط هما العاملين الأساسيين اللذين يستغلهما الأطراف المتحاربة والجماعات المتطرفة مثل داعش لتجنيد ضحاياهم.

أغلب الصحفيين اليمنيين الذين أخذت آرائهم لكتابة هذا المقال قالوا بأنهم لا يعملون لأنهم أجبروا على العودة إلى قراهم للهرب من حملات الحوثيين. أحد الصحفيين أشار إلى أن “هذا الحد من الاستقطاب في الإعلام اليمني غير مسبوق. المشكلة أنه لا يوجد مكان لمساحة وسط، على أحد الجوانب، فإن الحوثيين يسمحون فقط للصحافة التي تنحاز لصالحهم بالتواجد، وكذلك الحكومة اليمنية المنفية. كل ما لديك في اليمن الآن هو الدعاية، ويمكنك نيل دعم أي الطرفين فقط إذا خضعت لدعايتهم.”

_______________________________________________________________
*بقلم\ أفراح ناصر
٤-٥-٢٠١٧