20‏/09‏/2023

"اقتصاد الحرب" في اليمن كعامل رئيسي باستمرار الصراع



ترجمة الموقع بوست لتقرير أفراح ناصر المنشور على موقع المركز العربي في واشنطن:  

أرجع مركز أمريكي استمرار الصراع في اليمن منذ تسع سنوات إلى اقتصاد الحرب وتربح تلك الأطراف وتحقيقها مكاسب ضخمة.

وقال "المركز العربي بواشنطن" في مقال للباحثة اليمنية أفراح ناصر وترجمه "الموقع بوست"، "مع مغادرة المفاوضين الحوثيين السعودية عقب خمسة أيام من المحادثات مع المسؤولين السعوديين بشأن ملامح الحل الوسط للصراع المستمر في اليمن، تظل البلاد ترزح في قبضة نتائج حرب معينة، اقتصاد الحرب تحديدا".

وأضافت على الرغم من كون الصراع القائم بدأ بالتدخل العسكري السعودي والإماراتي عام 2015 ضد جماعة الحوثي المسلحة، إلا أنه يمثل إلى حد كبير منعطف محوري للعديد من الصراعات الأخرى: الحرب الأهلية اليمنية عام 1994، التمرد الحوثي عام 2004، الأحداث المضطربة لانتفاضة اليمن عام 2011، واستيلاء جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء في عام 2014. ومثلت المظالم الاقتصادية العميقة السبب الرئيسي وراء هذه الصراعات، تماما كما تؤدي الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الحالية إلى تزايد الفقر والمعاناة واليأس.

وتابعت: على سبيل المثال، كان التخصيص التمييزي للموارد، البطالة، وانتهاكات حقوق ملكية الأراضي، من بين المظالم التي غذت دور الجنوب في الحرب الأهلية عام 1994.

فيما يتعلق بالتمرد الحوثي، قالت ناصر إن "المظالم التاريخية كذلك لعبت دورا مهما. ويدعي أعضاء الجماعة أنهم ينتمون إلى طبقة السادة التي كانت تتمتع بسلطة الحكم في شمال اليمن خلال المملكة المتوكلية اليمنية (1918-1962، مع بعض آثار السيطرة حتى عام 1970). وعقب الهزيمة الأولية للمملكة في عام 1962 على يد الجمهوريين الثوريين في بداية الحرب الأهلية في شمال اليمن، كانت الجماعة مستاءة من خسارتها للسلطة، وكانت تسعى إلى استعادة ما فقدته. وعقب عقود، أدى السخط الإضافي الناجم عن تهميش وإفقار محافظة صعدة، موطن الجماعة، في الشمال، بشكل مباشر إلى تمرد الحوثيين في عام 2004. كما كانت انتفاضة اليمن عام 2011 مدفوعة في المقام الأول بالمظالم الاقتصادية، مثل الفساد وارتفاع معدل الفقر. ثم، في عام 2014، احتجت جماعة الحوثي على إصلاحات الحكومة في مجال الوقود، وبعد ذلك نفذت انقلابا على الحكومة اليمنية، مما دفع التحالف الذي تقوده السعودية إلى الانخراط في الصراع في عام 2015.

وذكرت أن عقودا من المظالم والصراعات الاقتصادية التي لم تعالج، وفرت أرضا خصبة لظهور اقتصاد حرب ديناميكي في اليمن، يتميز بشبكات معقدة من الجهات الفاعلة التي تتنافس جميعها على القوة الاقتصادية والسيطرة. ويدور اقتصاد الحرب في البلاد بشكل أساسي حول تخصيص الموارد والتنظيم والتعبئة بهدف رئيسي هو استمرار القتال. ومن ثم، فإن التربح من الحرب واستغلال الأبعاد المختلفة لها قد أدى إلى إطالة أمد الصراع وإعاقة تحقيق السلام والاستقرار الدائمين. بالإضافة إلى ذلك، أدى التأثير بعيد المدى لاقتصاد الحرب إلى تغيير مشهد البلاد وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية بطرق معقدة.

مظاهر اقتصاد الحرب


وأوضحت أن الصراع القائم أدى إلى تغيير جوانب عديدة من النظام والأنشطة الاقتصادية للبلاد، كما أدى إلى إنشاء اقتصادين متوازيين بشكل أساسي، أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب. وتشمل بعض أهم مظاهر اقتصاد الحرب في اليمن التعريفات والرسوم الجمركية المزدوجة، سعرين مختلفين لصرف العملات، عائدات النفط المتنازع عليها، تباين المساعدات، والاقتصاد الاستخراجي، وكلها تضع ضغوطا هائلة على الشعب اليمني.

ولفتت ناصر إلى أن الخلاف بين الأطراف المتحاربة، جماعة الحوثيين المسلحة في الشمال والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في الجنوب، حول الضرائب والرسوم الجمركية، أدى إلى نظام ضريبي منقسم في البلاد.

وأردفت "لقد أنتج الاقتصادان كذلك قيمتين مختلفتين إلى حد كبير للعملة في الشمال والجنوب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قيام الحوثيين والحكومة اليمنية بطباعة الأوراق النقدية، وإن كان ذلك بأحجام مختلفة. واعتبارا من فبراير 2023، كان السعر الجاري هو 600 ريال للدولار الأمريكي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون و1225 ريالا للدولار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة- أي أكثر من ضعف القيمة. كما أثر الصراع والانقسام بين الشمال والجنوب على صادرات النفط، مما أدى إلى مواجهة حول تخصيص عائدات النفط بين الحوثيين والحكومة. ويعتمد الاقتصاد اليمني بشكل كبير على إنتاج وتصدير النفط الخام الذي يدر نصيب الأسد من إيرادات الدولة. وارتفعت إيرادات صادرات النفط الخام في عام 2021 لتصل إلى 1.418 مليار دولار، مقارنة بـ 710.5 مليون دولار في العام السابق، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية".

"وبذريعة دفع رواتب القطاعين المدني والعسكري، يطالب الحوثيون بحصة كبيرة من عائدات النفط. وقد رفضت الحكومة تقاسم هذه الإيرادات، ومن أجل وقفها، هاجم الحوثيون في عام 2022 ثلاث محطات لتحميل النفط تقع في مناطق الحكومة، في ميناء المكلا في 25 أكتوبر، وفي ميناء محافظة شبوة في 9 نوفمبر، وفي ميناء المكلا في 25 أكتوبر، وفي ميناء محافظة شبوة في 9 نوفمبر، وفي ميناء الضبة في 21 نوفمبر. وكان الهدف من هذه الهجمات إضعاف الموارد المالية للحكومة. بالإضافة إلى ذلك، حظر الحوثيون في يونيو 2023 أسطوانات الغاز المنتجة محليا القادمة من مدينة مأرب التي تسيطر عليها الحكومة من أجل تقويض مصادر إيراداتها. إن الرسالة الواضحة في كل تحركات الحوثيين هي أنه في غياب تمتع الجماعة بحصتها من إيرادات الدولة اليمنية، فلن يتمتع بها أحد. يعد الحصول على عائدات النفط أحد الأهداف الاقتصادية المركزية للحوثيين، وقد حاولت الجماعة مرارا وتكرارا دون جدوى الاستيلاء على محافظة مأرب اليمنية الغنية بالنفط"، وفقا للمقال.

تضيف الباحثة ناصر "لقد باتت المساعدات الإنسانية الدولية وسيلة لتحقيق المنفعة الاقتصادية للأطراف المتحاربة. فقد كشفت تقارير المنظمات الدولية المختلفة، بما فيها الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان، عن نمط من التدخل في توزيع المساعدات الإنسانية في اليمن.

واستدركت إن تباين المساعدات الإنسانية والقيود والعرقلة هي بعض الاستراتيجيات الاقتصادية التي استخدمتها الأطراف المتحاربة لتعزيز نفوذها. وتدخلت القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في المساعدات الإنسانية في محافظة عدن اليمنية وأعاقتاها.

وأشارت إلى أنه في عام 2020، ورد أن الحكومة تورطت في ممارسات غسيل الأموال والفساد، مما كان له عواقب سلبية على قدرة الناس على الوصول إلى الإمدادات الغذائية الكافية. فضلا عن ذلك، وضعت الحكومة مخططا لتحويل الأموال من الودائع السعودية، مما أدى إلى تحويل غير قانوني بقيمة 423 مليون دولار من الأموال العامة إلى التجار. كما تورط الحوثيون في استغلال المساعدات الإنسانية، واعترف برنامج الأغذية العالمي بتباين مساعدات الجماعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ثم تشق هذه المساعدات المحولة طريقها إلى المجهود الحربي للحوثيين".

ونوهت إلى أنه وفي ذات الوقت، ذهبت الموارد المالية للمواطنين العاديين أيضا نحو ملء جيوب الأطراف المتحاربة. لافتة إلى إن الرسوم الجمركية المرتفعة والارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية تعد جزءا من "الاقتصاد الاستخراجي" الذي تمارسه الفصائل المتحاربة على السكان بشكل عام.

التأثيرات على مستقبل اليمن


وتطرقت ناصر إلى أن اقتصاد الحرب في اليمن يحمل تأثيرين محتملين على مستقبل البلاد هنا: التحولات الهيكلية وإدامة الصراع. فقد خلق اللاعبون والشبكات التي ظهرت واكتسبت نفوذا في ظل الصراع، خلقوا ديناميكيات اقتصادية جديدة، الأمر الذي أدى إلى تغييرات هيكلية في الآليات الأساسية للوظائف الاقتصادية للبلاد. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك تباين الأنظمة الاقتصادية بين المناطق الشمالية والجنوبية في اليمن.

واستطردت "التأثير الآخر المهم لاقتصاد الحرب على مستقبل اليمن هو إطالة أمد الصراع. ولا توفر المكاسب الاقتصادية التي تواصل الأطراف المتحاربة تحقيقها خلال الحرب حافزا يذكر لإنهاء الصراع، كما يتضح من حقيقة أن الهدنة التي انتهت في أكتوبر 2022 لم يتم تجديدها بعد. في هذا السيناريو المثبط، تصبح آفاق مستقبل اليمن قاتمة بسبب الصراع المستمر".

مصير الغد


تتابع "لقد شكلت عقود من المظالم الاقتصادية التي لم يتم حلها، وكذلك السخط الذي تفاقم بسبب سلسلة من الصراعات البيئة المثالية، شكلت لظهور اقتصاد حرب قوي. وتعد التعريفات والرسوم الجمركية المزدوجة، اختلاف قيم العملات، تقلص عائدات النفط، استغلال المساعدات الإنسانية الدولية وتحويلها، واستخراج ثروات السكان، من أهم الأنشطة الاقتصادية الناشئة في ظل الصراع المستمر. لقد حققت الأطراف المتحاربة مكاسب اقتصادية من خلال الانتهازية في زمن الحرب، مما جعلها غير راغبة وأقل احتمالا في البحث عن حل سلمي للصراع. وفي ذات الوقت، أدى اقتصاد الحرب إلى إحداث تحول في البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. ونتيجة لذلك، يبدو مستقبل اليمن قاتما، ومن المرجح أن يتسم بالصراع المطول، تفاقم الفقر، والدمار الاقتصادي".

وزادت "يمثل اقتصاد الحرب في اليمن عاملا حاسما في استمرار الصراع، وبالتالي فإن معالجة اقتصاد الحرب أمر ضروري لإنهائه. ونظرا لأن استمرار اقتصاد الحرب يصب في مصلحة الأطراف المتحاربة، فلا بد من تدخل طرف خارجي. وهنا يشكل الدور الذي يلعبه المجتمع الدولي أهمية بالغة، ويجب أن تتخذ نهجا متعدد الأوجه تجاه الاقتصاد اليمني، والضغط على الأطراف المتحاربة للتوصل إلى اتفاق يعالج مشاكل اليمن الاقتصادية على مستويين: المظالم الاقتصادية التاريخية، والتحديات الاقتصادية المعاصرة. وعلى الرغم من أن الأخيرة هي امتداد للأولى، إلا أنه يجب أن يكون هناك خطاب وطني لمعالجة هذه القضايا من أجل تمهيد الطريق نحو المصالحة الاقتصادية الوطنية. ويمكن لنتائج هذه المداولات أن تضع الأساس ليمن أكثر استقرارا وازدهارا على المدى الطويل. مع أنه لا بد من القول إن أي خطاب وطني يجب أن يتجنب عيوب ومزالق مؤتمر الحوار الوطني السابق (2013-2014)".

فيما يتعلق بالتحديات الاقتصادية المعاصرة الملحة التي تواجهها البلاد، تقول الكاتبة "ينبغي للمجتمع الدولي الضغط على الأطراف المتحاربة لتنفيذ تدابير ملموسة لمعالجة المظاهر العديدة لاقتصاد الحرب من خلال توحيد النظام الضريبي وسعر الصرف، وحل النزاع حول عائدات النفط، وضمان مراقبة أفضل وأكثر شفافية للعمل الإنساني ومعالجة الفوارق الاقتصادية.

وحثت المجتمع الدولي لأن يدعم خطة استباقية للتعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع، بحيث تصبح الخطة جاهزة للتنفيذ السريع بمجرد انتهاء الصراع.

وأكدت أن التوصل إلى اتفاق سلام شامل يشكل الخطوة الأساسية الأولى قبل إطلاق خطة التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع. وفي كل خطوة، يجب أن تدفع الجهود الدبلوماسية الدولية الأطراف المتحاربة إلى إعطاء الأولوية لرفاهية الشعب اليمني على مصالحها الاقتصادية الخاصة.

وختمت ناصر مقالها بالقول "إن معالجة الأسباب الجذرية للمظالم الاقتصادية وتفكيك أسس اقتصاد الحرب أمر ضروري لإنهاء الصراع الذي طال أمده، والقيام بذلك قد يوفر الأمل بمستقبل أكثر إشراقا لليمن وشعبه".

06‏/08‏/2023

الذكاء الاصطناعي في العالم العربي:هل سيكون ساحة جديدة لمزيد من الانتهاكات؟



*“العيون السود” غنت وردة الجزائرية، وغنت فيروز “وضحكات عيونه ثابتين ما بينقصوا”، و”أنتي عيونك سود، ومنك عارفة شو بيعملو فيّي… العيون السود”. وما أكثر الأشعار والأغاني في مديح العيون. تقدير مستحق من دون أي شك. لو كان باستطاعتي الغناء، لتغنيت في مديح النظر بالتحديد، فأنا أعتبره أهم حاسة من الحواس الخمس.

بعد عملية ليزر تصحيح النظر التي أجريتها الشهر الماضي، اضطررت الى الصيام عن القراءة والكتابة لمدة شهر حتى تتعافى عيناي بعد العملية. وعموماً، حتى عندما كنت أحاول القراءة والكتابة، لم يسعفني نظري أبداً. كان مشوشاً طيلة الشهر. حاولت أن أقرأ لكن لم يكن باستطاعتي النظر بوضوح. كان شهراً كئيباً حزيناً. ملل وفراغ قاتل. نصحني بعض الأصدقاء بالاستماع الى الكتب عبر تطبيقات في الهواتف لكن لم ترق لي الفكرة. ملمس الكتب عند القراءة بالنسبة إلي أمر استثنائي.

حاولت مراراً القراءة. مهما وضعت الكتاب على مسافة قريبة جداً على عيني لم أكن أرى الكلمات بوضوح أبداً. وبطبيعة الحال، حتى الكتابة كانت صعبة. لم يكن في مقدوري قراءة ما كتبت. انزعجت جداً من ذلك. ما كان يصبرني فقط هو خطتي أنه بعد كل هذا الصيام سأكتب عن التجربة فور تعافي عينيّ. كنت أقتل الوقت بمشاهدة التلفاز. شاهدت برامج تتحدث عن خطر اختفاء عدد من الوظائف، منها مهنة الكتابة، نتيجة استبدالها بالذكاء الاصطناعي خلال المستقبل القريب. عفواً! منها مهنة الكتابة؟ شهر واحد من دون كتابة مر عليّ بصعوبة، فكيف لو اختفت المهنة من أصله؟!

كنت أفكر بأهمية الكتابة المعنوية والاقتصادية الكبيرة في حياتي. تساءلت، كيف سأعيش إذا اختفت مهنة الكتابة من حياة البشر، وأنا التي تعتمد على الكتابة كمصدر دخل رئيسي؟

كصحافية أعمل منذ تقريباً 15 عاماً، الكتابة مهنتي الأساسية. فماذا لو مثلاً تم استبدال ما أكتبه بنصوص روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي؟ يتوقع سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” (OpenAI) الرائدة في الذكاء الاصناعي، أن مهنة الكتابة واحدة من المهن التي ستختفي بسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة.

فمثلاً، الكتاب والروائيون والمعالجون النفسيون وغيرهم من المحتمل استبدالهم بواحدة من أدوات الذكاء الاصطناعي الإبداعية كتطبيق الـ”تشات جي بي تي”. فبرامج الذكاء الاصطناعي تسمح بالإجابة عن الأسئلة بذكاء وإجراء استنتاجات مثيرة للاهتمام من قواعد بيانات كبيرة. ونسبة ذكاء (IQ) الـ”تشات جي بي تي” حالياً هي 155، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم مع الوقت، بينما يبلغ معدل متوسط نسبة ذكاء البشر بين الـ 85 و115.

بالنسبة الى الكتاب، من الممكن بسهولة اليوم استخدام برامج الذكاء الاصطناعي لإنشاء كتاب إلكتروني من صفحات في غضون ساعات. في متجر kindle التابع لموقع أمازون الإلكتروني، هناك أكثر من 200 كتاب إلكتروني يدرجون ChatGPT كمؤلف أو مؤلف مشارك. دور النشر في أميركا المتخصصة في نشر قصص عن الخيال العلمي، تواجه غزارة قصص مقدمة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. أضف الى ذلك، وظائف مذيعات الأخبار على التلفزيون بدأ أيضاً استبدالها بمذيعات أخبار باستخدام الذكاء الاصطناعي. حدث ذلك في الكويت في شهر نيسان/ إبريل، وفي الهند في شهر تموز/ يوليو. أما مدى جودة تلك الكتب والقصص والمذيعات، فهذا موضوع آخر يطول نقاشه.

بالنسبة إلي، أكثر ما يؤرقني هو، ما المستقبل الذي ينتظر الكتاب والصحافيين والمبدعين في عصر الذكاء الاصطناعي؟ بإمكان استنتاج الإجابة من العريضة التي وقع عليها آلاف الكتاب في الولايات المتحدة الأميركية في شهر تموز، والتي تطالب صانعي الذكاء الاصطناعي بالتوقف عن سرقة الكتب. وفي السياق نفسه، بدأت نقابة الكتاب الأميركية إضراباً منذ شهر أيار، أدى إلى توقف معظم إنتاج الأفلام والتلفزيون في الولايات المتحدة. وتلاها إضراب من نقابة ممثلي الشاشة في شهر تموز. من أهم مطالب النقابات الحصول على ضمانات بعدم استبدال أعمالهم باستخدام الذكاء الاصطناعي. أدى الإضراب المشترك لكتاب وفناني الأداء في هوليوود إلى توقف الإنتاج في عدد لا يحصى من الإنتاج الفني. آخر تأثيرات الإضرابات هو تأجيل حفل جوائز الإيمي المخطط انعقاده في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل بسبب الإضرابات.

أما في ما يخص العالم العربي، تقول البيانات المتوافرة إن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وصل الى 3 مليارات دولار خلال هذا العام. وفي الوقت نفسه، تشهد المنطقة العربية أعلى معدّل بطالة عالميا. ولهذا، فإن خطر زيادة البطالة، إذا ما تم استبدال الطاقات البشرية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من دون إنشاء وتفعيل سياسات حماية اقتصادية واجتماعية، سيسبب كارثة بكل المقاييس، بالتالي، ارتفاع معدلات البطالة في المستقبل القريب، في ظل انعدام سياسات اجتماعية كافية تحمي الأفراد المعرضين للبطالة.

لم تظهر بعد أي مؤشرات عن تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على مجال الكتابة والإبداع في العالم العربي. ولكن، تشهد مجالات أخرى كالأسواق المالية وقطاع البنوك والأنشطة الحكومية في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، اعتماداً متزايداً على برامج الذكاء الاصطناعي. والسؤال هنا، ما الذي يمكن توقعه من دول لها سجل طويل في انتهاكات حقوق الإنسان، وهي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ هل ستكون ساحة جديدة لمزيد من الانتهاكات؟

في مدح الذكاء الاصطناعي، يقول الخبراء إنه يمثل فرصة ثمينة لتحقيق “فوائد كبيرة” لقطاعات مثل الزراعة والتعليم والرعاية الصحية. إذاً، المعضلة هنا :كيف لنا جني المنفعة والفوائد بأمان من دون أضرار. نحن في أمسّ الحاجة إلى تطوير الذكاء الاصطناعي وفقاً لحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. والحذر هو من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي “من أصحاب النوايا الخبيثة”، على حد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش

* هذا المقال كتابة أفراح ناصر، نُشر أولاً على موقع درج

22‏/06‏/2023

قمع حرية الصحافة في اليمن هو تهديد لجهود بناء السلام



مركز صنعاء، يونيو ٢٠٢٣ -  سُررت مؤخرًا بدعوتي من قِبل مؤسسة سمير قصير للمشاركة كعضو في لجنة تحكيم جائزة سمير قصير لحرية الصحافة لعام 2023 (المؤلفة من سبعة اختصاصيين في شؤون الإعلام)؛ بصفتي يمنية تتمتع بخبرة تزيد عن 15 عامًا في مجال الصحافة. كنت ثاني يمنية يتم اختيارها في عضوية لجنة تحكيم المؤسسة، بعد المصورة الصحفية أميرة الشريف التي شاركت في لجنة تحكيم جائزة عام 2021. تأهل 75 من بين 240 مشاركًا إلى مرحلة ما قبل النهائي، حيث اعتمد تقييمهم على ثلاثة معايير: مدى تناول تغطيتهم الصحفية لقضايا حقوق الإنسان، وأسلوب الكتابة الصحفية، والابتكار. 

في 5 يونيو/ حزيران، أُعلن عن الفائزين وهم: المخرجة والكاتبة السورية إيناس حقي عن فئة “مقال الرأي”، والصحفي المصري محمود السبكي عن فئة “التحقيق الاستقصائي”، والصحفي اللبناني محمد شريتح عن فئة “التقرير الإخباري السمعي البصري”.

حفل تسليم جوائز سمير قصير في بيروت، يونيو ٢٠٢٣

أفراح ناصر تسلم جائزة سمير قصير للفائزة إيناس حقي، يونيو ٢٠٢٣


حين اطلعت على لائحة الصحفيين المشاركين من عدة دول عربية، لم يسعني سوى الشعور بخيبة أمل من عدد الصحفيين اليمنيين الضئيل ونوعية الأعمال الرديئة التي قدموها بشكل عام. هذا ما هو إلا تذكير يؤسف له بالتدهور الشديد لحرية الصحافة في اليمن، والبيئة الخطرة التي يعمل فيها الصحفيون اليمنيون في الوقت الراهن، فضلًا عن مدى تأثير هذا التدهور على نضالنا من أجل تحقيق السلام والعدالة في بلدنا.

الحرب على الصحافة

تمتع اليمن قبل عام 2014 بحيّز إعلامي نابض نسبيًا، لكن سرعان ما تآكل خلال فترة الحرب. جميع أطراف النزاع اليمني تورطت في ارتكاب انتهاكات ضد الصحفيين، ولم يَسلم حتى المواطنين العاديين ممن عبروا عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي من حملة القمع الأخيرة التي استهدفت حرية التعبير.

أُفيدَ عن إغلاق ما يقرب من نصف المنافذ الإعلامية اليمنية التي كانت قائمة منذ ما قبل عام 2014، ولقي ما لا يقل عن 49 صحفيًا يمنيًا حتفهم منذ عام 2011، بما في ذلك خمسة صحفيين قُتلوا بغارات للتحالف الذي تقوده السعودية. كما سيذكر التاريخ لجوء جماعة الحوثيين إلى استخدام الصحفيين كدروع بشرية، عقب اختطاف صحفيّيْن وإبقائهما أسيرين في مبنى استهدفته الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية عام 2015، مما أدى إلى مصرعهما. وفي أحدث موجة من الإجراءات القمعية ضد المعارضة، احتجز الحوثيون في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2022 ويناير/كانون الثاني 2023 أربعة من مقدمي المحتوى على اليوتيوب لما يقرب من ستة أشهر، قبل العفو عنهم. 

أما في عدن الخاضعة إلى حد كبير لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا، فقد لقيت كل من الصحفية رشا الحرازي مصرعها (مع جنينها) في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 والصحفي صابر الحيدري في يونيو/حزيران 2022 بانفجار سيارات مفخخة في حادثتين منفصلتين. فضلًا عن ذلك، احتجز المجلس الانتقالي الصحفي أحمد ماهر منذ أغسطس/آب 2022 دون تقديم سبب واضح لاعتقاله، إلى جانب احتجاز الصحفي عادل الحسني عام 2021 التي تُعد قضيته مؤثرة لي على المستوى الشخصي كوني حققت فيها خلال فترة عملي مع منظمة هيومن رايتس ووتش، ووجدت أدلة تُثبت أن احتجازه تمّ بأمر من ضابط مخابرات إماراتي.

ضلعت الحكومة اليمنية نفسها في الاعتداء على تسعة صحفيين، واحتجاز تسعة آخرين، إلى جانب تهديدها ثلاثة صحفيين عام 2022 وحده، رغم إظهار دعمها للصحفيين الأربعة المُفرج عنهم مؤخرًا من سجون الحوثيين، والقائمة تطول.

حرية الصحافة هي قضية

هذه الانتهاكات ما هي سوى لمحة عن نمط القمع الذي تعيشه البلاد على نطاق واسع والمخاطر التي تواجه الصحفيين اليمنيين من كافة الأطراف المتحاربة التي تنظر إلى حرية الصحافة كتهديد. من اللافت أن قصف مبنى التلفزيون الحكومي كان أولى الهجمات العسكرية التي شنتها جماعة الحوثيين عند استيلائها على صنعاء عام 2014. يكمُن الدافع وراء الهجوم على الصحافة في اليمن في التصور السائد لدى الأطراف المتحاربة من خطر وجود صحافة قوية ومستقلة.


“حرية الصحافة هي أساس الديمقراطية والعدالة”، على حد تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في أيار/مايو من هذا العام، وعلى هذا الأساس حماية حرية الصحافة في اليمن سيعزز من قدرة الصحفيين على لعب أدوار جوهرية في إذكاء وعي الناس بحقوقهم وإرساء السلام والعدالة؛ فالصحافة الحرة يُمكن أن تساهم في ازدهار الأمة ككُل.

كيفية دعم الصحافة الحرة في اليمن

ذكرت أيرين خان، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في يونيو/ حزيران من عام 2022، أن “الصحافة المستقلة والحرة والمتعددة تُعدّ في منتهى الأهمية لتحقيق الديمقراطية والمساءلة والشفافية، ويجب أن ترعاها الدول والمجتمع الدولي لخدمة المصلحة العامة”. من هذا المنطلق، يتطلب ضمان حرية الصحافة في اليمن تحرّكًا دوليًا.

لم تلقَ الدعوات الموجهة إلى الأطراف المتحاربة لوضع حدّ لانتهاكاتها وتجاوزاتها ضد الصحفيين آذانًا صاغية، وهو ما يُحتّم مساءلة هذه الأطراف باعتبارها خطوة قد تؤتي أكلها. إن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مُلزم أخلاقيًا بإنشاء هيئة رقابة مستقلة ومحايدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة وجرائم الحرب المحتملة في اليمن وتوثيقها، وهو ما قد ينهض بجهود تحقيق المساءلة.

يفتقر الصحفيون اليمنيون إلى دعم الجهات الدولية بصورة تُمكنهم من مزاولة نشاطهم. من هذا المنطلق، يتعيّن على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والمنظمات الدولية ذات الصلة توفير التمويل والدعم السخي للمؤسسات الإعلامية في اليمن. يحتاج الصحفيون إلى الدعم في ثلاثة مجالات رئيسية: مشاريع تركز على النهوض بصحافة قوية ومستقلة، وصحافة تؤيد التسوية السلمية، وتحسين مهارات الصحفيين. وجود مثل هذا الدعم سيُساعد الصحفيين اليمنيين على توثيق الهجمات والتهديدات التي تطال الصحافة الحرة، وجمع الأدلة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، ووضع حدّ لظاهرة إفلات مرتكبي جرائم الحرب من العقاب.

--------------------------------------------------------
هذا المقال كتب ونشر أولا على موقع مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية

06‏/06‏/2023

“جائزة سمير قصير “… تذكير بالثمن الباهظ للصحافة الحرّة

اثناء تسليم جائزة سمير قصير لحرية الصحافة عن فئة مقال الرأي والفائزة المخرجة والكاتبة السورية إيناس حقي. 


ماذا لو صحونا يوماً ما ولم يكن بمقدورنا الكلام، أو الكتابة، أو التعبير عن النفس بأي شكل من الأشكال؟ لربما سيكون ذلك شبيهاً بالموت البطيء. يقال إنه في القرن الثالث عشر، أُخضٍع أطفال لتجربة حرمان لغوي، ما لبثوا أن توفّوا.

التعبير عن النفس حق إنساني وجودي. إذ إن لكل فرد الحق في حرية التعبير والرأي، وهو الشيء الذي يجعل الناس يشعرون بأنهم أحياء. لكن للأسف، أخبار قمع حرية التعبير والصحافة في عالمنا العربي في تزايد مستمر. “لا تزال الصحافة تئن تحت وطأة السيطرة الخانقة في الشرق الأوسط، سواء على أيدي الأنظمة الاستبدادية أو بفعل الرقابة التي تفرضها الميليشيات على وسائل الإعلام، إذ يُعتبر وضع حرية الصحافة “خطيراً للغاية” في أكثر من نصف دول المنطقة”، حسب وصف منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها السنوي الصادر هذا العام.

تلك السيطرة الخانقة جعلتني أفكر في أشكالها المتعددة. شخصياً، ورغم احترافي مهنة الصحافة والكتابة على مدار 15 عاماً، كتبت فيها بالعربية والإنكليزية والسويدية في مواقع ومجلات عربية ودولية عن قضايا سياسية واجتماعية وثقافية، غالباً ما اصطدمت بالفكر الذكوري الذي لا يرى قيمةً في خبراتي ومهاراتي، فقط لأني امرأة. وتحديداً، الوسط الإعلامي اليمني الذي يطلق عليّ مجرد اسم “ناشطة”، مع كل الاحترام للناشطات. وفي الوقت نفسه، يطلق هذا الوسط على الكثير من الرجال اليمنيين اسم كاتب ومحلل سياسي فقط لأنهم كتبوا كلمة أو كلمتين على “تويتر”. الأسوء من ذلك، هو الفكر الطبقي المستفحل في الوسط الإعلامي اليمني، الذي يعطي قيمة كبيرة لأبناء الوزراء السابقين، لأنهم أبناء النخبة السياسية ليس إلا.

مع ذلك، تصلني بين فترة وأخرى، دعوات تشعرني بتقدير خبراتي ومهاراتي. آخرها كانت الدعوة اللطيفة التي وصلتني من الاتحاد الأوروبي ومؤسسة سمير قصير للمشاركة في لجنة التحكيم المؤلفة من سبعة أشخاص، لاختيار الفائز أو الفائزة بـ”جائزة سمير قصير لحرية الصحافة” للعام 2023. تذكرت وأنا أقرأ الدعوة، الصحافي اللبناني البارز سمير قصير، الذي اغتيل في عام 2005، والثمن الباهظ الذي قد يدفعه الصحافيون مقابل قول كلمة حق في وجه الطغاة.

كعضوة في لجنة التحكيم على جائزة سمير قصير، راجعت المواد المتنافسة، وحاولت أن أستحضر عصارة خبرتي وأنا أقيّم المواد. لكن في البداية، سأحكي باختصار كيف صارت عملية التحكيم. بعدما فُتح باب التقديم للمنافسة على “جائزة مؤسسة سمير قصير لحرية الصحافة”، وصلت الى المؤسسة أكثر من 240 مادة. بعدها، قامت لجنة أكاديمية مستقلة باختيار المواد التي توافقت بشكل مباشر مع معايير التقديم، والتي وصلت إلى 75 مادة. راجعها عضوان اثنان من فريق لجنة التحكيم السبعة، أي أنا وشخص آخر فقط.

وبذلك، قمت بمراجعة وتقييم 75 مادة مقسمة بين فئة مقالات الرأي، وفئة التحقيقات الصحافية، وفئة التقارير المصورة بالفيديو. وتتضمن معايير التقييم ارتباط المادة بإحدى قضايا حقوق الإنسان، وتمتعها بأسلوب وطريقة صحافيين، بالإضافة الى ضرورة وجود حداثة أو ابتكار في القصة أو الموضوع. من ثم، اجتمعت لجنة التحكيم السبعة لاختيار المادة الفائزة من أصل عشر مواد وصلت الى النهائيات. وبناءً على علامات العضوين المذكورين، تم تحديد المرشحين العشرة الأوائل عن كل فئة، وقام بعد ذلك أعضاء لجنة التحكيم السبعة بتقييم المواد في المرحلة نصف نهائية. وبعد ذلك، حددوا اللائحة القصيرة التي تتضمن 3 أعمال عن كل فئة، واجتمعوا لاختيار المادة الفائزة من بين المواد الثلاث التي وصلت الى النهائيات.

تم الإعلان عن أسماء الفائزين وهم السورية إيناس حقي التي فازت بجائزة أحسن مقال وكذلك جائزة الطلاب ضمن جوائز مؤسسة سمير قصير لحرية الصحافة لعام 2023. مقال حقي الفائز هو “رسالة إلى جاكي شان”، المنشور عبر رصيف22. كذلك فاز الصحافي اللبناني محمد شريتح بجائزة التحقيق المصوّر عن حقوق العابرين جنسيا عبر منصة دويتشه فيله، كما حصد الصحافي المصري محمود السبكي جائزة التحقيق الاستقصائي لهذه السنة عن تحقيق يكشف فساد بيع الجوازات الأوروبية.

وعموماً، اتسمت المواد كلها بحس مسؤولية عالٍ بقضايا حقوق الإنسان في العالم العربي وحتى العالم العربي في المهجر، ولكن ذلك لا يعني أن بعض المواد كانت أقوى من غيرها. كما أن أمرين لفتا انتباهي بشدة، وهما نوعية المواضيع، ونوعية المواقع التي نشرت المواد.

تعددت المواضيع، لكن المواضيع المتعلقة بقضايا حقوق النساء، أزمة المناخ، والصحة النفسية، كانت بالنسبة إلي مؤثرة جداً، لأن تغطيتها قليلة بالمقارنة مع التغطية الصحافية لقضايا النزاعات والحروب، وما أكثرها في العالم العربي للأسف. في العادة، تُتهم قضايا حقوق النساء بأنها أجندة نسوية غربية، وطبعاً هذا الهجوم ليس مبنياً على أي دليل أو إثبات، وإنما على أن المنظومة الذكورية في العالم العربي عاجزة عن إحترام إنسانية النساء.

وجدت في المواد المرسلة عن حقوق النساء، وعياً نسوياً نابعاً من الهوية العربية، يستحيل فيه تقليد النسوية الغربية. ولهذا، سُعدت جداً عند وصول الصحافية المصرية سارة جمال وعملها، تقرير بعنوان “”كشف جبري”.. عنف الولادة يمرّ من دون حساب” المنشور على موقع شريكة ولكن، الى النهائيات. للأسف، المواد عن أزمة المناخ لم تصل الى النهائيات، لأنها كانت مواد معدودة جداً. فأزمة المناخ في العالم العربي من أكثر المواضيع التي لم تُعطَ حقها في التقارير. وبالنسبة الى المواد التي تثير قضايا الصحة النفسية التي لا تزال تعُتبر تابو في عالمنا العربي أو بالأصح لا تزال تلاحقها وصمة العار، فقد وصل منها أيضاً عدد قليل جداً فقط. لكني سعيدة بأن تقرير الفيديو المصور بعنوان “قضينا يوم كامل مع متعافى العباسية .. رسالتهم للمجتمع: متخافوش مننا“، من إعداد الصحافيين المصريين أحمد جمال وأحمد إسماعيل، المنشور على موقع “اليوم السابع”، وصل إلى النهائيات.

ما أثار اهتمامي أيضاً، نوعية المواقع التي نشرت المواد التي وصلت الى مؤسسة سمير قصير. وقد غلبت عليها صبغة مواقع إعلامية مستقلة تتمتع بمساحة حرية تعبير، فيها مرونة أكثر من المواقع الإعلامية الرسمية الحكومية في عدد من الدول.

عدد لا بأس به من المواد، كان منشوراً على مواقع: “درج” و”رصيف٢٢” و”أريج” و”الجمهورية” و غيرها. الأمر الذي دعاني الى تقدير فريق التحرير في هذه المواقع والمساحة الرحبة التي يعطونها للصحافيين والصحافيات والكتاب والكاتبات.

مهمة الصحافي هي نقل الحقيقة من دون أي شك، لكنْ خلف كل صحافي ماهر، محرر أو محررة أكثر مهارة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المقال كتابة أفراح ناصر. نشر هذا المقال اولا على موقع درج

06‏/02‏/2023

الجنود الأطفال في اليمن.. أدوات لمدافع حرب غير ضرورية




فبراير ٢٠٢٣ - المركز العربي في واشنطن: يعد تجنيد الأطفال كجنود حقيقيّن أو مساعدين -في حرب اليمن المستمرة- أحد أكثر التطورات خطورة في الصراع منذ اندلاعه في عام 2014، وهذه التطورات تعد مدفوعة إلى الخطوط الأمامية وذلك بمكائد القادة المستثمرين، والحاجة المالية، والتضامن القبلي، وأسباب أخرى ، فلقد دفع الأطفال ثمناً باهظاً، وهو الثمن الذي سيستمر في التراكم لسنوات قادمة وسيؤثر على المجتمع اليمني بأسره.

وبصرف النظر عن كونها جريمة حرب بموجب القانون الدولي ، إلا أن استخدام أطفال اليمن كوقود لحرب لا نهاية لها على ما يبدو سيحرمهم ويحرم بلدهم من فرصة بناء اقتصاد حديث يمكن أن يضمن مستوى معيشي لائق ودولة ذات سيادة قادرة أن تصون حقوق شعبها.


جميع الأطراف تجند الأطفال

عند السير في أي شارع في العاصمة اليمنية صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثي المتمردة (المعروفة رسميًا باسم أنصار الله) يلاحظ المرء بسرعة ملصقات وصورًا ملصقة على الجدران وأكشاك إعلانية تُظهر جنود الجماعة الأطفال الذين قُتلوا في الحرب و كلهم ​​يرتدون الزي العسكري.

حيث قامت جماعة الحوثي المسلحة بتجنيد واستخدام آلاف الأطفال في القتال ، وبالفعل قامت جميع أطراف النزاع في اليمن بتجنيد الأطفال، ووفقًا للتقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول الأطفال والنزاع المسلح الصادر في يوليو 2022 ، تم تجنيد الأطفال في اليمن من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا (IRGY) والميليشيات الموالية للحكومة والحوثيين والجناة المجهولين و قوات الحزام الأمني ​​وما يسمى بالدولة الإسلامية.

كما ذكرت اليونيسف في نهاية العام الماضي أن الأمم المتحدة قد تحققت من تجنيد 3995 طفلاً (ذكورًا ، وبدرجة أقل ، فتيات) منذ عام 2015 ويعترف التقرير أيضاً بأن الأرقام الفعلية من المحتمل أن تكون أعلى من ذلك بكثير.

وأفاد مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) في عام 2017 أن غالبية التقارير التي تلقاها عن تجنيد الأطفال ارتكبتها اللجان الشعبية التابعة للحوثيين، و أفادت منظمة حقوق الإنسان اليمنية المحلية(سام) للحقوق والحريات ، بالاشتراك مع المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، في عام 2021 أن البيانات التي جمعتها تظهر أن جماعة الحوثيين وحدها جندت 10،333 طفلاً منذ عام 2014. و على الرغم من تراجع القتال النشط بعد سلسلة من هدنات العام الماضي ، و من تعهد الحوثيين للأمم المتحدة في أبريل / نيسان بإنهاء تجنيد الأطفال إلا أن هذه الجماعة متواصلة في تجنيدهم.

وتتمثل عادة مشاركة الأطفال الذين يعملون كمقاتلين في الجماعات المسلحة والميليشيات وحتى القوات الحكومية في الحروب بطرق متنوعة ، بما في ذلك القتال والتجسس وزرع الألغام والعمل عند نقاط التفتيش الأمنية. و يعتبر تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا انتهاكًا مباشرًا للتشريعات اليمنية القائمة ، بما في ذلك قانون رعاية الأحداث الصادر عام 1992 وقانون حقوق الطفل الصادر عام 2002، كما أن تجنيد الأطفال دون سن 15 عامًا يعتبر جريمة حرب من قبل الحكومة اليمنية والمحكمة الجنائية الدولية. بغض النظر فإن الأطفال الذين يتصرفون كمقاتلين في الجماعات المسلحة والميليشيات وحتى القوات الحكومية يشاركون عادة في الحروب بطرق متنوعة ، بما في ذلك القتال والتجسس وزرع الألغام والعمل عند نقاط التفتيش الأمنية.

استخدام الأطفال كأداة للحرب

منذ بداية الصراع اليمني في عام 2014 ، أصبح تجنيد الأطفال منتشرًا للغاية بين أطراف النزاع، ففي ديسمبر 2018 ، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن السعودية جندت أطفالاً سودانيين كجنود وأرسلتهم إلى ساحة المعركة. علاوة على ذلك أفاد فريق الأمم المتحدة للخبراء الدوليين والإقليميين البارزين بشأن اليمن في عام 2021 أنه حقق في حالات تجنيد أطفال في اليمن وتدريبهم في المملكة العربية السعودية ، واستخدامهم في الأعمال العدائية في اليمن من قبل التحالف بقيادة السعودية والحكومة اليمنية.

كما يتم تجنيد الأطفال بين الجماعات المسلحة غير الحكومية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في اليمن.
وأفاد فريق الأمم المتحدة للخبراء الدوليين والإقليميين البارزين بشأن اليمن في عام 2020 أن الإمارات كانت تقدم الدعم لما يقرب من 90 ألف مقاتل في اليمن ، وبعض هؤلاء المقاتلين معروفون بأنهم أطفال. كما تعد قوات الحزام الأمني ​​وقوات النخبة الشبوانية من أكبر الجماعات المسلحة التي تدعمها الإمارات في اليمن، فقوات الحزام الأمني ​-التي تأسست عام 2016- هي الوحدة العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات ، وهو مجلس سياسي يسعى إلى إقامة دولة اتحادية مستقلة وذات سيادة في جنوب اليمن، و قامت قوات الحزام الأمني ​​بتجنيد الأطفال ، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة نُشر العام الماضي. وأفادت اللجنة الوطنية اليمنية للتحقيق في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في عام 2021 أن قوات النخبة الشبوانية جندت طفلاً واحدًا.


العوامل الكامنة وراء تجنيد الأطفال 

قبل اندلاع الصراع الحالي ، أثناء حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، كان تجنيد الأطفال يتم بشكل أساسي داخل القوات الحكومية، وفي تلك الأيام ، كان قطاع الدفاع من أكثر مؤسسات الدولة استقرارًا ، حيث كان يوفر رواتب ثابتة. وأدى هذا الوضع الى تشجيع العائلات على تغيير شهادات ميلاد أبنائهم لرفع أعمارهم إلى 18 ، والسماح لهم بالتجنيد في الجيش والحصول على راتب. ومع ذلك ، لم يشارك الأطفال بالضرورة في الأنشطة العسكرية الحربية في ذلك الوقت.

ومن العوامل الأخرى التي أثرت في هذا التجنيد حقيقة أن العادات والتقاليد الاجتماعية اليمنية تربط حمل السلاح بمكانة وقوة مرموقة حتى عندما يتعلق الأمر بالأطفال، و هناك أيضًا ميل في الثقافة اليمنية لإدراك شخص يبلغ من العمر 15 أو 16 عامًا كشخص بالغ ولم يعد طفلاً، وفي هذا العمر يُتوقع من الأفراد العمل، خاصة إذا كانوا متزوجين بالفعل، وكانوا ضحايا ممارسة زواج الأطفال. وتبين أن القوانين التي وُضعت قبل النزاع لحظر تجنيد الأطفال-مثل قانون رعاية الأحداث المذكور أعلاه وقانون حقوق الطفل- ضعيفة للغاية لأنها فشلت في ردع الجناة من خلال فرض وإنفاذ عقوبات ملموسة. 

كما كان لعدم وجود تشريع يحظر زواج الأطفال تأثير غير مباشر ولكنه مهم على تجنيد الأطفال، وبسبب عدم قدرة الأسر على إطعام أطفالها ورعايتهم ، تجد أن حل الافلات من الفقر طريق واحد وهو تزويج أطفالها الصغار. ويميل الأطفال المتزوجون إلى إنجاب الأطفال مباشرة بعد الزواج ويظلون أميين ويفتقرون إلى المهارات اللازمة لتربية أطفالهم ورعايتهم. كما يؤدي زواج الأطفال إلى وجود عدد كبير من الأطفال في أسرة تعاني بالفعل من الفقر. وليس من الغريب في اليمن العثور على رجل أو امرأة -خاصة في المناطق الريفية- لا يزالون في العشرينيات من العمر ومع ذلك تجدهم اصبحوا أجداداً. وغالبًا ما يدفع الأشخاص الذين تزوجوا وهم أطفال أطفالهم إلى القيام بأي نوع من العمل لكسب المال ، حتى لو كان ذلك يعني المشاركة في الحرب. 

في بلد يبلغ نصف عدد سكانه 34 مليون نسمة دون سن 18، يتواجد فيه الأطفال بوفرة وبشكل ملحوظ، و نظرًا للأزمة الاقتصادية العميقة التي يواجهها اليمن حاليًا ، فقد وقع الأطفال ضحايا للاستغلال الاقتصادي وسط الفقر المتزايد، و تختلف أسباب تجنيد الأطفال من منطقة إلى أخرى ؛ ومع ذلك فإن السبب الأكثر شيوعًا وراء نجاحها هو الظروف الاقتصادية الصعبة. ولقد أدى تدمير البنية التحتية الحيوية أثناء النزاع إلى تدمير سبل العيش ، بما في ذلك تلك التي تعتمد على أنظمة الزراعة وصيد الأسماك ، مما زاد من سوء الوضع المتردي بالفعل، وقد جعل اقتصاد الحرب المشاركة في النزاعات المسلحة والصناعات ذات الصلة أحد المصادر الرئيسية للدخل في البلاد.

لهذا السبب ينحدر غالبية الجنود الأطفال في اليمن من أسر ومناطق فقيرة ويتم استدراجهم بالمال، و من خلال مزيج من الإكراه ، والتماس المرتبات ، والدعاية ، يتم تجنيد الأطفال ، ويتم استدراجهم بسهولة من خلال الوعد براتب قدره 20000 ريال يمني (حوالي 25 دولارًا) ، والإقامة ، وإمدادات يومية من القات (منبه عند مضغه) ، والتبغ ، وفوائد أخرى.والراتب يجعل الطفل يشعر أنه سيكون في وضع اقتصادي أفضل وسيكون قادرًا على تحويل بعض الأموال إلى أسرته وبالتالي تحسين وضعه الاقتصادي أيضًا.


عملية التوظيف

في عملية تجنيد الأطفال تلعب المساعدات الإنسانية الدولية دورًا مهمًا. وفقًا لتقارير عديدة صادرة عن وسائل الإعلام المحلية ، فإن جماعة الحوثي تسرق المساعدات الإنسانية ثم تستغل حاجة الناس لهذه المساعدات من أجل تجنيد الأطفال. وقد وثقت عدة تقارير أن الجماعة حولت المساعدات لجهودها العسكرية.

كما أنشأت جماعة الحوثي المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (SCMCHA) ، الذي يشرف وينظم جميع برامج المساعدات الإنسانية المنفذة في مناطق سيطرة الحوثيين، و مع ذلك ، غالبًا ما تستخدم هذه الهيئة وغيرها من الوسائل "لمحاولة إجبار متعاقدين معينين ، أو تقييد سفر عمال الإغاثة أو السعي بطريقة أخرى للتأثير على عمليات الإغاثة" ، و وفقًا لبيان أدلى به وكيل الأمين العام للأمم المتحدة في يناير / كانون الثاني للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ (مارتن غريفيث).

لدى جماعة الحوثي المسلحة نظام تجنيد متقدم بالنظر إلى تاريخها الطويل في تجنيد الأطفال منذ التسعينيات ، وهو نظام يشمل السماسرة والمشرفين الحوثيين والمدرسين وكبار الأحياء. و يذهب الأطفال الذين جندتهم المجموعة إلى معسكر للأطفال حيث يتلقون تدريبات عسكرية، و يعود تاريخ هذه المعسكرات إلى تسعينيات القرن الماضي عندما كانت تسمى "المعسكرات الصيفية" وكان الغرض منها أن تقام فقط خلال فصل الصيف ، أثناء استراحة الأطفال من المدرسة.

وتجد هذه المعسكرات اليوم مفتوحة طوال العام، وفي الواقع يتم تحويل المدارس التقليدية لتصبح أقرب إلى تنظيم المعسكرات الصيفية القديمة، ويقوم بذلك ثاني أهم رجل في المجموعة المسلحة -يحيى بدر الدين الحوثي شقيق زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي - الذي شغل منصب وزير التعليم في الحكومة الشمالية للحوثيين منذ 2016، كما أجرى الحوثي تغييرات على المناهج الدراسية في المناطق التي يسيطرون عليها، مع التركيز على أيديولوجية الجماعة الطائفية.


الآثار المترتبة على تجنيد الأطفال

إن تداعيات تجنيد الأطفال إذا لم يتم التعامل معها بعناية وبشكل شامل ستؤثر سلبًا على جهود بناء السلام ، لا سيما أن العديد من الجنود الأطفال يعودون مرارًا وتكرارًا إلى القتال، حيث تزعم مجموعات وسائل الإعلام المحلية أن بعضهم قد عاد ثلاث مرات.
و قد تصبح العسكرة المتزايدة لشباب اليمن في سياق الصراع أحد العوامل التي تؤثر على احتمالية اندلاع الصراع مرة أخرى في المستقبل حتى لو تحقق السلام على المدى القصير.

و ستؤدي جميع عوامل ما قبل النزاع ، والأثر المدمر للصراع ، والافتقار إلى استراتيجية إنمائية شاملة إلى استمرار تجنيد الأطفال - وعلى الأرجح إعادة تجنيدهم - ومع ذلك فإن معالجة تجنيد الأطفال بشكل شامل اليوم ستساعد في تقليل فرص العودة إلى الصراع.

إن تجنيد الأطفال في الحرب في اليمن ليس فقط قضية أساسية من قضايا حقوق الإنسان ؛ إنها أيضًا قضية سلام عميقة، و لا يمكن لأي مجتمع أن يحقق السلام بتحويل أبنائه إلى جنود، لذلك يجب أن يتضمن أي اتفاق أو مفاوضات سياسية محتملة لإنهاء النزاع في اليمن بندًا يحظر تجنيد الأطفال واستخدامهم في أي شكل من أشكال الأعمال العدائية.

كما يجب على الأمم المتحدة وأصحاب المصلحة الآخرين بعد ذلك وضع إجراءات مراقبة لتحديد الأفراد والجماعات التي تنتهك مثل هذه الاتفاقية، و يحتاج المجتمع الدولي إلى لعب دور أكثر استباقية من خلال فرض عقوبات ضد المسؤولين والأفراد المسؤولين عن تجنيد الأطفال.

كما يجب على المجتمع الدولي أن يتبرع بسخاء لبرامج إعادة التأهيل وإعادة الإدماج التي تنظمها وتديرها مجموعات المجتمع المدني اليمنية التي توثق تجنيد الأطفال في الأنشطة العسكرية ، مثل المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر وميون لحقوق الإنسان والتنمية، و يجب على المجتمع الدولي إعادة التفكير في تمويل مساعداته الإنسانية والحد من الطرق التي يمكن للجماعات المسلحة المحلية من خلالها التلاعب بالمساعدات لتغذية عملية تجنيد الأطفال ، وضمان توزيع المساعدات بشكل مستقل ودون تدخل، كما يجب أيضًا الضغط على الحكومة اليمنية لتعديل قوانينها غير المتسقة التي تحدد سن الطفل ، والتي تؤدي أيضًا إلى الارتباك وتؤدي إلى الإيذاء.

وبهذا سيكون أطفال اليمن قريبًا هم من يبنون مستقبل بلدهم ، ولكن من أجل ذلك يجب أولاً السماح لهم بالتمتع بطفولة حقيقية خالية من الاستغلال والعنف.



*هذا التقرير التحليلي مترجم من قبل فريق موقع يمن فيوتشر من التقرير الأصلي باللغة الإنجليزية من موقع المركز العربي في واشنطن والمنشور في تاريخ ٢ فبراير ٢٠٢٣. 

24‏/01‏/2023

إحراق المصحف في السويد… قمّة هرم العنصريّة



*لم أستغرب أبداً إحراق اليميني المتطرف راسموس بالودان، المصحف أمام السفارة التركية في السويد، الأمر الذي يستفزّ شريحة واسعة من المسلمين. يدرك راسموس ذلك تماماً، إذ فعل ما فعله بهدف الاستفزاز الذي نجح بإثارته.

يُوظف بالودان حقه القانونيّ في التعبير، الذي يضمنه الدستور السويدي، من أجل الترويج لأفكاره المتطرفة. ومع ذلك، استنكر رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون الواقعة، خصوصاً أنها تزامَنت مع أزمة سياسية مع تركيا، التي تعترض على انضمام السويد إلى حلف الناتو.

لم يكن تصرف بالودان مستغرباً، فكراهية الأجانب في السويد تتصاعد، والتصريحات الرسميّة عن “ترحيل” اللاجئين تزرع الرعب في قلوب المهاجرين في السويد، ناهيك بأن جرائم الكراهية بدوافع عنصرية تزداد بحسب بيان عن السجل الدوري لحقوق الإنسان في السويد 2020، خصوصاً بين عامي 2013 و2016. يشير البيان أيضاً، إلى زيادة جرائم الكراهية بدوافع معادية للدين، ووفق المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة في 2021، لا يُبلّغ عن جرائم كراهية كثيرة، في ظل انخفاض مستوى الثقة في الشرطة.

أقيم في السويد منذ نحو 12 عاماً، استوعبت خلالها هذه الكراهية وجذورها، إذ شكل انفجار ستوكهولم الإرهابي نهاية 2010 نقطة مفصلية في تاريخ السويد، إذ تكررت بعدها حوادث واعتداءات تحركها “كراهية الأجانب”، بعضها يصل حدّاً لا يصدق، فخلال الأشهر الستة الماضية دفعت امرأة سويدية رجلاً ذا بشرة داكنة نحو سكة الحديد في ستوكهولم، لعلّ القطار يدهسه، لكن لحسن الحظ، توقف القطار على مسافة بسيطة من الرجل ولم يدهسه.

شهد شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، جدلاً أثارته السيدة كات زو، الأميركية من أصل آسيوي، المقيمة في ستوكهولم، إذ نشرت على “تويتر” توثيقاً لحوادث عنصرية مقيتة اختبرتها في ستوكهولم، هاجمها فيها أناس ذو بشرة بيضاء وشتموها بألفاظ عُنصريّة، تحوّل الأمر لاحقاً إلى قضية رأي عام في السويد، وهُوجمت زو واتُّهمت بأنها عميلة وجاسوسة صينية.

لا أشعر أبداً بالأمان وأنا أمشي في شوارع ستوكهولم وسط البلد حيث الغالبية البيضاء، بينما نحن “الأجانب” نعيش في ضواحي المدينة. أمشي واعيةً بتلك الحوادث العنصرية، وأقول في سري دائماً، يا ترى هل سيأتي دوري اليوم؟

لا أشعر بالارتياح كصحافية وباحثة يمنية عربية سمراء مقيمة في السويد، أكتب باللغة الإنكليزية عادةً، لكني أشعر غالباً بعدم ارتياح حين أتناول السويد بأي لغة كانت، حتى إنني أتجنب الكتابة عن السويد بالإنكليزية تماماً. أذكر أنني حين كتبت عن السويد أول مرة عام 2012، صُدِمت من رد الفعل. كتبت آنذاك عن منطقة رينكيبكي Rinkeby في عاصمة ستوكهولم وعن الفصل الاجتماعي والتمييز العنصري. بعدها، تلقيت أعداداً مهولة من الشتائم ورسائل الكراهية عبر موقع مدونتي، رسائل كـ”عودي إلى بلدك”، “عودي إلى بلادك، بلاد القاعدة”، “كان يجب أن تكوني ضحية زواج الصغيرات في بلدك وعدم القدوم الى السويد”.



أعرف أن ردود أفعال كهذه شائعة تجاه أي أحد خارج “العرق الأبيض”، فخلال الأعوام الماضية، كانت الإعلامية والفنانة السويدية من أصل فلسطيني غنى ديراوي، محط هجوم حاد قادَه أنصار اليمين العنصري المتطرف، ووصل الأمر إلى تهديدها بالقتل من خلال آلاف الرسائل. أما لاعب كرة القدم السويدي من أصل بوسني زلاتان إبراهيموفيتش، فيتحدث بوضوح وصراحة عن العنصرية التي عانى منها في السويد في طفولته وحتى في قمة نجاحه في مسيرته الكروية.

القضية المركزية في السويد هي سيادة البيض Swedish whiteness، وفي ما عدا ذلك فهو شأن ثانوي، أما بقية “الألوان” فهم أسفل السلم العرقي والاجتماعي. وفي السويد مصطلح مثير للاهتمام، قادممن زمن الفايكنغ الإسكندنافي، ألا وهو “الجماجم السوداء”، ما يعني أي شخص شعره أسود. لا يُستخدم هذا المصطلح العنصري اليوم، هو شأن معيب، لكنه يختزن نظرة المجتمع السويدي الأبيض، لكل ما هو غير أبيض وأشقر.


لا تعكس قضية إحراق المصحف الأخيرة من راسموس، القصة الكاملة ولن تكون الأخيرة. أتوقع حوادث أكثر مع انتشار التيار اليميني في السويد، والدليل أن الحزب العنصري اليميني السويدي “ديمقراطيو السويد” هو ثاني أكبر حزب في البرلمان السويدي.

انهالت عائلتي عليّ بالأسئلة في زيارتي الأخيرة إلى اليمن: “كيف لم تتزوجي من سويدي في السويد؟”، “أليس هناك رجال صالحون للزواج في السويد”، أجيب، لم يأت النصيب بعد. لم أستطع أن أخبرهم عن تجربتي الصعبة في الحديث مع الرجال السويديين البيض عبر تطبيقات المواعدة في السويد. يبدأ الحديث عادة بأسئلة كـ “هل أنت متدينة؟”، “هل سبق أن لبستِ الحجاب؟”، “هل أنت مسيحية أم مسلمة؟”، “هل أنت سنية أم شيعية؟” ينتهي الحديث عادةً بعدَ أسئلة كهذه.

على رغم أن السويد بلد جميل، فهو كأي مكان في العالم، لديه إجابياته وسلبياته. أنا كأجنبية في السويد أعيش في نضال شخصي مستمر لأن ثقافة السويد لا ترحب بي كأجنبية، وأدرك تماما أيضاً، أن بلادي اليمن التي أعشقها لا تقبلني بعملي السياسي والإعلامي.



* هذا المقال كتابة أفراح ناصر، نُشر أولاً على موقع درج

22‏/01‏/2023

“ماحد درى أين الحبيب موجود”… يوم عدت إلى اليمن بعد 12 سنة



*كانت دموعي تخونني متى سمعت أغنية “مسعود هجر” للفنان اليمني عبدالباسط عبسي التي تتناول مصير مسعود المجهول بعدما هاجر من اليمن كي يؤمن حياة كريمة لعائلته. تقول الأغنية، “واعمتي … منو شقل (سيقول) لمسعود، بعامنا الأول رزقنا مولود، مسعود هجر وخلف المصائب، والبعد طال وزادت المتاعب… واليوم لا مكتوب ولا صداره… مرت سنين والقلب مسكن الدود… ماحد درى أين الحبيب موجود”.

التأثر ذاته كنت أشعر به حين أسمع أغنية “احكيلي” للسيدة فيروز. تغني فيروز، “احكيلي احكيلي عن بلدي احكيلي، يا نسيم اللّي مارق عَ الشّجر مقابيلي، عن أهلي حكايِة، عن بيتي حكايِة، عن جار الطّفولِة حكايِة طويلِة.” في سنوات غربتي عن اليمن الـ12، قتلني الحنين إلى بلادي اليمن.

ولكن أخيراً انتهت غصة الغربة في شهر أيار/ مايو الماضي، حين حطت قدمي على أراضي اليمن. بعد سنوات الفراق، قررت أن أزوره، برغم أنني سأعرض نفسي للخطر بسبب عملي الصحافي والحقوقي. ذهبت الى اليمن سراً في نهاية رمضان الماضي. فلم أخبر أحداً من عائلتي وأقربائي بخطتي، عدا ابن خالتي الذي استقبلني في المطار. قرعت باب خالتي في عدن وباب أمي في صنعاء وفاجأتهما، ولحسن الحظ لم يصب أحد بسكتة قلبية.

عندما تركت اليمن في أيار 2011، للمشاركة في ورشة عمل لأسبوعين في السويد، لم أكن وقتها أعرف أين تقع تلك البلاد بالضبط في خريطة العالم. كل ما كنت اعرفه هو ما قالته أمي في مشاوير التسوق، إذ تمسك إحدى القطع الخشبية وتقول، “هذا خشب جيد، خشب سويدي!”. ذهبت الى السويد بشنطة سفر صغيرة فيها بعض الملابس.

لأنني صحافية شابة كنت أتلقى قبولاً لافتاً للمشاركة في أي تدريب أو ورشة، فقبل السويد زرت الأردن، والكويت، وسويسرا. وعليه، كانت خطتي أن أعود إلى بيت أمي في صنعاء بعد الانتهاء من ورشة العمل في السويد حتى أمضي في خططي المستقبلية فقد كنت ضمن من فازوا بمنح تشيفنينغ الدراسية في بريطانيا.


خلال ورشة العمل، انفجر الموقف السياسي والعسكري في اليمن. في أيام قليلة في شهر أيار 2011 بدأت حرب شوارع في صنعاء بين أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأنصار “حزب الإصلاح”. وأغلق مطار صنعاء. وفي اتصال مع أهلي، أخبرتني أمي أن الوضع خطير، وقالت، “بإستطاعتك العودة عبر مطار عدن، ولكنني سأحذرك من الآن، متى ما عدت، عليك أن تنسي أمر الصحافة والكتابة”. قالت ذلك من خوفها فهي بالكاد كانت راضية عن عملي مع التهديدات بالقتل التي كانت وصلتني. تفهمت خوفها. كان أمامي خياران: إما العودة إلى اليمن والتوقف عن الكتابة، أو مواصلة الكتابة من مكان آخر.

الحياة بدون كتابة كانت بمثابة حكم إعدام بالنسبة إلي. شغفي للكتابة حاجة ماسة كالتنفس. وهكذا، قررت ألا أعود وأن أواصل الكتابة. أيعقل ألا أواصل الكتابة واليمن يمر بمرحلة مفصلية تاريخية! بقيت في السويد وحصلت على لجوء سياسي، وواصلت عملي الصحافي.

اليمن الذي تركته في 2011 لم يكن الجنة ولكن أظن أ جيلي الذي شارك في ثورة 2011، استطاع أن يحصل على طفولة مستقرة إلى حد ما في التسعينات، وهي أكثر حقبة زمنية عرف خلالها اليمن شيئاً الاستقرار؟ كان وقتها اليمن أفقر دولة عربية ولكن أحداً لم يكن يموت من الجوع. عندما بدأت العمل نهاية عام 2008 في صنعاء، لم تكن حرية الصحافة في أفضل حالها ولكن المناخ كان أكثر انفتاحاً، بجميع أطياف الإعلام المستقل، والحزبي، والنسوي، والصحافة الصفراء وغيرهم. أذكر وأنا في الصف الثانوي الثالث أن عدد سكان اليمن كان حوالى 15 مليون نسمة، اي نصف عدد السكان اليوم.

عندما حطت رجلي على أرض مطار عدن الدولي في الأسبوع الأخير من شهر رمضان الماضي، وقفت خارج المطار انتظر ابن خالتي. طال الانتظار فافترب مني رجل يبدو أنه سائق أجرة وسألني: “تاكسي؟”.

قلت، “لا شكراً. أنتظر ابن خالتي وسيارته”.

“هل اتصلتِ به؟

لا. ليس لدي هاتف؟

خذي تلفوني واتصلي به.

لا، شكرا. ليس بحوزتي مال حتى أعطيك ثمن المكالمة.

أي مال؟ الدنيا ما زالت بخير يا ابنتي. خذي هاتفي واتصلي به، لا أريد أي مال”.

أخذت الهاتف وشكرته. اتصلت بابن خالتي ثم اعدت الهاتف للرجل. شعرت بفرح لأن الحرب على الاقل لم تدمر خصلة الكرم بين اليمنيين.

كنت أتوقع مستوى دمار جنوني، وأن اليمن كأي بلد في العالم سيشهد تغيرات وبل كأي بلد تعرض لويلات الحرب سيتدمر.

بقيت في عدن اقل من اسبوع ومن ثم بقيت في صنعاء أسبوعين ونيف. سبق أن كتبت في مقال طويل بالانجليزية عن تفاصيل الرحلة الشاقة من عدن إلى صنعاء وملاحظاتي وانطباعاتي عن صنعاء. وأيضاً أجريت لقاء مع فريق موقع “درج” وذكرت فيه بعض التفاصيل عن زيارتي.

معظم الحكايات التي سمعتها من الأهل والأقرباء على شرف أغنية السيدة فيروز كانت حكايات أليمة ترسم صورة عن يمن مقسم من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه. اقسى الحكايات كانت عن الموت والمرض والاضطرابات النفسية، بسبب الحرب والقصف والضائقة الاقتصادية. شوارع اليمن الرئيسية التي تربط المدن، مثلاُ من عدن إلى صنعاء، كانت كلوحة مأساوية تعج بخيم النازحين والمهاجرين الأفارقة الذين يفترشون العراء لا حول لهم ولا قوة. هذه المناظر والحكايات زادتني ايماناً بأهمية كتابتي عن هذا البلد المعذب المنسي.

رغم ذلك كله، أشعر الآن بحال أفضل لأنني كتبت هذه القصة ولأنني عدت إلى اليمن ودافعت عن حقي بالكتابة عنه ومن أجله. لا يعني ذلك أنها كانت تجربة سهلة ووردية. إلا أن جلسات العلاج النفسي التي اتلقاها ساعدتني على فهم أمور كثيرة وأُشفى منها.

ذكرياتي عن يمن الأمس أحتفظ بها في وجداني. أصررت على أن آخذ معي ألبومات صور من بيتنا في صنعاء قبل سفري مع انتهاء عيد الفطر. أما يمن اليوم فسيظل محط تركيزي في الكتابة.


*هذا المقال كتابة أفراح ناصر، نٌشر أولاً على موقع درج

29‏/12‏/2022

جمهورية الخوف.. عودة لليمن بعد 11 عاما


بعد حوالي ١٢ عام فراق وعيشة في السويد عُدت لليمن أزور موطني صنعاء. مايو ٢٠٢٢ تصوير: أفراح ناصر


*عندما هبطت الطائرة ، ظهر مشهد مألوف من خارج النافذة ، مشهد لم أره منذ 12 عامًا: مياه بحر العرب ، والمباني البعيدة ، وبعد ذلك ، فقط عندما تعتقد أنك على وشك الهبوط على الماء ، يظهر مدرج مطار عدن.عندما غادرت العاصمة اليمنية صنعاء في عام 2011 ، مع أمتعة محمولة فقط ، لم أكن أعتقد أنني سأبقى بعيدًا لفترة طويلة. لكن الديكتاتورية والتهديدات ثم الحرب أبعدتني.

كانت الحرب هي السبب في أنني عندما وصلت لزيارتي في أبريل، اضطررت للسفر إلى عدن ، ثاني مدن اليمن في جنوب البلاد، وليس صنعاء ، حيث أنا، في الشمال. ويسيطر الحوثيون على صنعاء ، الجماعة المتمردة المتحالفة مع إيران والتي تقاتلها الحكومة المدعومة من السعودية منذ 2014. كما كنت سأكتشف، على الرغم من كل تلك السنوات من القتال، والغارات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية، لا يزال الحوثيون راسخين بعمق في الشمال.

قال ابن عمي أحمد * ، البالغ من العمر 31 عامًا ، بينما كان يستقبلني في المطار: "ما زلت تبدين كما كنت". "يبدو الأمر كما لو كنت بعيدة في رحلة قصيرة فقط."

كان أحمد وبقية أفراد عائلتي يتابعون تقاريري عن اليمن من السويد ، حيث أقمت منذ مغادرتي ، والبلد الذي أنا الآن مواطنة فيه.
لكن الكتابة عن اليمن ليست هي نفسها كما ان تكون فيها. بينما كان أحمد يحتضنني، دموعي تخون شعوري حيال الابتعاد عن بلدي وعائلتي. قال أحمد بلطف: "لا تبكي" عندما بدأنا رحلة الطريق التي تستغرق 14 ساعة إلى صنعاء. "احفظِ دموعك للدمار واليأس الذي توشكي على رؤيته."

رحلة إلى المنفى

قبل مغادرتي اليمن عملت كصحفية. كنت قد بدأت للتو مدونتي ، المكرسة لتغطية حقوق الإنسان في البلاد ، عندما بدأت انتفاضة 2011. غطيت الاحتجاجات ضد الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح ، الذي كان يحكم اليمن الشمالي السابق منذ عام 1978، ثم عندما اتحد مع اليمن الجنوبي في عام 1990 ، الجمهورية اليمنية. في تلك الأيام الأولى للاحتجاجات ، كان هناك الكثير من التفاؤل بشأن مستقبل البلاد ، ولكن في الوقت نفسه ، حذرت مذابح المحتجين مما سيحدث.

شعرت بالإحباط لأن عددًا قليلاً فقط من الأصوات اليمنية الأصلية كانت تكتب عن ما كان يحدث في اليمن باللغة الإنجليزية ، لذلك بدأت في التدوين حول هذا الموضوع. جلبت كتاباتي تحذيرات وتعليقات بغيضة ثم تهديدات بالقتل. لكنني واصلت العمل حتى ، في مايو 2011 ، بعد ثلاث سنوات من عملي كمراسلة متفرغة في صحيفة يمن أوبزرفر في صنعاء ، غادرت إلى السويد للمشاركة في دورة تدريبية كنت قد تقدمت لها قبل بدء الاحتجاجات.

أثناء غيابي ، اندلع القتال المسلح في شوارع صنعاء. "العنف يتصاعد. لا تعودي الآن "، قالت لي عائلتي على الهاتف. "إذا عدتِ ، فلن تكوني قادرة على الكتابة ، ولا يمكنك الكتابة بعد الآن. انه خطر للغاية." لم أستطع تخيل الحياة بدون الكتابة ، لذلك ، في عمر 25 عامًا ، اتخذت قرارًا بالبقاء بمفردي في السويد.

في مكالماتي الهاتفية مع عائلتي ، الطريقة الرئيسية التي تمكنت من خلالها من البقاء على اتصال خلال سنوات المنفى الطويلة ، استمرت التحذيرات. قالت والدتي: "إذا عدتي وواصلتي عملك الصحفي ، فسوف ينتهي بك الأمر في السجن". "ليس لدي اتصالات لإخراجك ، ولن آتي لزيارتك في زنزانتك. ستتعرضي للتعذيب والاغتصاب. لا تعودي" كانت والدتي خائفة من أن يعرضني عملي للخطر . كان حلها محاولة تخويفي من المهنة.

سمعت تحذيراتهم ، لكن ألم الابتعاد كان لا يطاق. أنا متأكدة من أن الجميع يقولون نفس الشيء عن بلدهم ، أو المكان الذي نشأوا فيه ، لكن اليمن كان يسيطر علي. تغطية اليمن من بعيد كان الشيء الوحيد الذي ملأ الفراغ بداخلي وساعد في تخفيف آلام فقدان الوطن.

فرصة للعودة

في أبريل / نيسان الماضي ، جلبت الهدنة - التي انتهت في 2 أكتوبر / تشرين الأول بعد فشل الحوثيين في الاتفاق على تجديدها - الفتح الذي كنت أنتظره. فرصة لقضاء آخر أيام رمضان والاحتفال بالعيد مع من أحببتهم أكثر. لكن عائلتي بأكملها ، باستثناء أحمد ، ظلوا غافلين عن خططي. بعد كل تحذيراتهم ، لم أرغب في جعلهم قلقين أثناء قيامي بالرحلة الشاقة.

لم تكن الرحلة من عدن إلى صنعاء سهلة أبدًا - فهي تمر من الساحل الجنوبي لليمن عبر الجبال ، على طول الطرق المتعرجة مع قاطرات ضخمة ، وبعض أجمل المناظر الطبيعية التي ستشاهدها ، حيث تغيرت المناظر الطبيعية من جبال إب الخضراء ، إلى حقول ذمار ، ثم إلى جبال صنعاء المتربة والتي لا تزال مهيبة. كان هذا الجمال لا يزال موجودًا ، لكن الرحلة أصبحت الآن أصعب بكثير. لتجنب الخطوط الأمامية ، يأخذ المسار عدة تحولات ، أحيانًا على طول الطرق التي بالكاد يمكن وصفها على هذا النحو ، والتي تتدفق أحيانًا في موسم الأمطار الصيفي.

لقد فقد الكثيرون حياتهم على طول هذه الممرات الغادرة - خسائر ثانوية في هذه الحرب الوحشية. سبب آخر لتأخيرات كبيرة: ما يقرب من 40 نقطة تفتيش كان علينا عبورها على طول الطريق التي تخص مختلف أطراف النزاع. نقاط التفتيش هذه تتركك مستنزفًا ، ليس فقط بسبب الاستجوابات المرهقة التي تجري هناك ، ولكن أيضًا بسبب إدراكك أنك في بلد مقسم ، وأن اليمن لم يعد أرضًا موحدة. 

"من أين أنت؟ صرخ الحارس عندما وصلنا أنا وأحمد إلى نقطة تفتيش يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي.
يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات ، وهو القوة الرئيسية في جنوب اليمن ، على جميع نقاط التفتيش على طول الطريق الذي سلكناه ، حتى محافظة البيضاء الوسطى. كان لدى حراس المجلس الانتقالي الجنوبي المزيد من الأسئلة: ما المدينة التي كنا نسافر إليها ، وأين كانت أوراق السيارة ، وما إذا كان بإمكانهم أخذ بعض القات لدينا (بالنسبة لجميع أقسام اليمن ، يظل القات ، وهو مخدر خفيف ، موحدًا رائعًا).

عندما ابتعدنا بالسيارة عن الحاجز ، أوضح أحمد لماذا لم نواجه الكثير من المتاعب. قال أحمد ، الذي ولد ونشأ في صنعاء ، "أرادوا معرفة ما إذا كنا من صنعاء". "لكن هويتي تقول إنني من حضرموت بدلاً من ذلك." ظلت حضرموت ، وهي محافظة كبيرة في شرق اليمن ، بعيدة عن التوتر بين الشمال والجنوب. في حين أنها محافظة جنوبية ، والمشاعر الانفصالية موجودة هناك ، فقد نجت من الكثير من القتال المباشر الذي وقع بين القوات الحكومية والانفصاليين في أجزاء أخرى من الجنوب. في عام 2016 ، تمكن أحمد من تغيير بطاقة هويته لإظهار أن محل إقامته هو حضرموت ، مع العلم أن ذلك سيوفر عليه الكثير من الشك في الرحلات في جميع أنحاء البلاد.

لم الشمل مع العائلة والأصدقاء

أثناء سفرنا ، أصبحت الآثار المادية لهذه الحرب مرئية. سار اللاجئون والمهاجرون ، من شرق إفريقيا على ما يبدو ، على طول الطرق ، بعد أن اختاروا دولة في حالة حرب لتكون نقطة عبورهم إلى الخليج. وانتشرت الخيام التي تأوي النازحين داخليا في المناظر الطبيعية.

تم تدمير البنية التحتية - مثل الطرق والجسور والمنازل. تسببت الغارات الجوية والقصف في ترك الطرق غير سالكة ، مما أجبر السيارات على السير في طرق بديلة. قال لي أحمد بلا مبالاة: "حوادث السيارات التي تحدث بسبب هذه الطرق غير المعبدة مروعة". "كما تعلم ، أنا أتابع صفحة رائعة على Facebook تشارك تحديثات حول حوادث السيارات ولا أقود السيارة أبدًا دون التحقق منها."

عندما وصلنا إلى صنعاء ، ذهبت مباشرة إلى منزل عائلتي. لقد صُدموا وشعروا بسعادة غامرة لرؤيتي. كان من المذهل رؤية والدتي مرة أخرى والقدرة على حملها. بعد كل أحضان ودموع السعادة ، تمكنت من إعطائي تحديثات شاملة عن كل ما حدث لجيراننا وأقاربنا وأصدقائنا. توفي بعضهم ، ومرض بعضهم ، وفقد آخرون وظائفهم واعتمدوا على التبرعات. كانت الأمور أسوأ بكثير مما كانت عليه عندما غادرت. غالبًا ما كانت محادثاتي مع أفراد الأسرة والأصدقاء تدور حول المصاعب الاقتصادية الكارثية التي كان عليهم أن يمروا بها يوميًا.

حتى لو تلقيت راتبك ، ولم يتلقه ملايين كثيرة ، فغالبًا ما يكون ذلك عديم القيمة نتيجة ارتفاع معدلات التضخم. أصبحت أسعار المواد الغذائية الآن أعلى بشكل غير عادي مما كانت عليه قبل مغادرتي اليمن ، مع وجود بعض العناصر بنفس السعر تقريبًا الذي قد أراه في السوبر ماركت المحلي في ستوكهولم ، وأحيانًا أعلى. أوضحت ابنة عمي نجاة * ، التي تشبه الأخت الكبرى بالنسبة لي ، "الحمد لله ما زلت أمتلك وظيفة ، لكن الراتب لا يكفي لسداد مصاريفي الشهرية". سماعها وهي تحكي عن معاناة السنوات القليلة الماضية جعلني حزينة وغاضبة.


كان نشاطها الجانبي ، وهو صنع البخور وبيعه ، ورقائق خشبية منقوعة في زيت معطر وحرق كبخور تقليدي ، يساعدها في تدبير أمورها. قالت: "إذا لم يكن لدي ذلك ، فأنا لا أعرف كيف كنت سأعيش". "في المنزل ، نحاول تقليل نفقاتنا: فنحن لا نستخدم الأجهزة الإلكترونية أبدًا مثل التلفزيون أو الثلاجة لأننا نحتاج إلى خفض فواتير الكهرباء لدينا. نحن نشتري اللحوم ونأكلها فقط في المناسبات الخاصة ، ربما مرتين في السنة ، خلال العيد ، لأنها باهظة الثمن. "أمشي معظم الوقت لأن النقل أصبح مكلفًا للغاية وسط نقص الوقود."

البقاء على الكرم

بالنسبة لعمتي ، التي اعتادت أن تكون معلمة في مدرسة حكومية ، كانت هي نفسها. كنت أتقاضى راتباً قدره 40 ألف ريال يمني [160 دولاراً بالسعر الرسمي] قبل الحرب. لكنني توقفت عن الذهاب إلى العمل في عام 2017 لأنهم توقفوا عن دفع راتبي.
حاولت العثور على وظيفة أخرى في مدرسة أخرى ، لكنهم عرضوا علي 20 ألف ريال فقط [80 دولارًا]. ماذا يمكنني أن أفعل بهذا اليوم؟ يبلغ إيجار منزلنا 35000 [140 دولارًا] ". توقفت عمتي عن محاولة العثور على عمل ، وبقيت في المنزل ، وتعتمد أسرتها فقط على راتب زوجها.

كان الحل ، كما قدمه لي كل من تحدثت إليه ، بسيطًا: لم يرغبوا في المساعدة أو التبرعات لأن ذلك لن يساعدهم على المدى الطويل. ما أرادوه هو وظائفهم ورواتبهم اللائقة ووضع حد لتدهور العملة الوطنية والتضخم. من الواضح أن ذلك لن يأتي لفترة طويلة. لذا سألت نفسي ، كيف يعيش الناس؟ بكل بساطة: على كرم بعضنا البعض.

في كل من صنعاء وعدن ، حيث قضيت أسبوعاً ، أدهشني كيف كان الناس ينظرون إلى بعضهم البعض ، وهو أمر أفتقده كثيرًا في السويد. مع اقتراب شهر رمضان ، تذكرت التقاليد التي تركتها ورائي في اليمن. كان جيراننا يقرعون بابنا ويحضرون لنا الطعام دون طلب. كانت والدتي تفعل الشيء نفسه بالنسبة لهم ، حيث تطبخ كميات كبيرة من الطعام وتشاركه مع من تستطيع. كنت أذهب للتسوق مع نجاة ، لكن بدلاً من شراء الملابس لنفسها ، كانت تشتري ملابس خاصة للعيد للأطفال في حيها.
قالت أثناء توجهنا إلى المتاجر: "دعني أشتري ملابس لهؤلاء الأطفال الفقراء كمؤسسة خيرية". "سمعت أن أحد المتاجر كانت مبيعاته جيدة ، لذلك سنذهب إلى هناك. على الأقل أعطاني عملي في البخور بعض المال الإضافي الشهر الماضي ".

دولة الحوثي

أثناء سفري في أنحاء صنعاء ، تذكرت أنني كنت في مدينة يحكمها الحوثيون. كانت اللافتات موجودة هناك حتى أثناء سفرنا إلى المدينة. عند نقاط التفتيش ، كان الحراس أقل اهتمامًا بالمكان الذي أتينا منه ، مقارنة بما إذا كنا قد لاحظنا قواعد دولتهم ، مثل استخدام الأوراق النقدية القديمة والبالية بدلاً من الأوراق الجديدة المستخدمة في اقليم الحكومة الذي تسيطر عليه المجلس الانتقالي الجنوبي. وكان الحوثيون قد حظروا العملة الجديدة المطبوعة منذ عام 2019 ، معتبرين أنها وسيلة لتقويض سيطرتهم.
في حين أن أجواء عدن - الهادئة والعالمية والمرحبة - كانت مماثلة إلى حد كبير عندما غادرت اليمن في عام 2011 ، فقد تغيرت صنعاء.

بدون مبالغة ، يبدو الأمر وكأنه مدينة تم غزوها. عندما زحف الحوثيون من الجبال في أقصى شمال اليمن ، أحضروا معهم العلامات المرئية لحكمهم - الملصقات الخضراء التي تصور شعارهم: "الله أكبر ، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود". "- بالإضافة إلى الأشياء التي كان من الصعب رؤيتها ، مثل الطريقة التي فرضوا بها أيديولوجيتهم الدينية والسياسية على الناس. شعرت أنه أينما ذهبت كنت أسمع صوت زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. موقعه غير معروف ، مختبئًا خوفًا من هجوم جوي سعودي ، لكن يمكن سماع صوته من السيارات ذات السماعات الكبيرة في الأعلى ، في إعادة إلقاء خطابه الأخير. كان لغسيل المخ تأثيره. على جدران صنعاء ، إلى جانب شعار الحوثيين ، ملصقات "شهدائهم".

"الموت لهذا والموت لذلك"

أرسل الحوثيون الآلاف إلى الخطوط الأمامية لمحاربة الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي. العديد من الوجوه التي كانت تحدق في وجهي من الملصقات كانت من الأطفال. رؤية ذلك كان أمرًا مدمرًا.

قالت نجاة "الموت لهذا والموت لذلك" ، ونحن مررنا بإحدى ملصقات الحوثيين. "إنه أمر مرعب. لا أعرف كيف يمكنني حماية ابنتي البالغة من العمر سبع سنوات من سماع ذلك ، فهي في كل مكان أذهب إليه. تخيل أن أطفالك يكبرون في ثقافة تمجد الموت. أي نوع من المستقبل سيكون لدينا؟ ما هو نوع الجيل الذي نصنعه؟ "

أخبرني أقاربي وأصدقائي أن أحذر من الزينبيات وأنا أسير في الشوارع. جند الحوثيون القوات النسائية للقيام بمجموعة واسعة من الخدمات الأمنية والعسكرية ، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخبارية. من الصعب ملاحظتهم وهم يسيرون بملابس مدنية ولا يمكن انتقاؤهم من بين الحشود. يتم تجنيد الزينبيات ، وبعضهن تم جلبهن في سن صغيرة ، من خلال مزيج من الحوافز الإيديولوجية والاقتصادية.

قالت لي نجاة ذات يوم بينما كانت والدتي تستمع: "لا تتحدثي أبدًا مع امرأة لا تعرفيها في حفل زفاف". "أنت لا تعرفي أبدًا ، قد تكون واحدة من الزينبيات. في أحد حفلات الزفاف ، كانت امرأة تتحدث معي وبدأت تسألني عما إذا كنت أرغب في المساهمة في المجهود الحربي للحوثيين من خلال التبرع بمجوهراتي. أخبرتني أنها كانت واحدة منهم ". تدخلت والدتي. "في العام الماضي ، تم استدعاء إحدى شقيقات جيراننا إلى مركز الشرطة - فقد قالت شيئًا ضد الحوثيين في حفل زفاف. سمعتها واحدة من الزينبيات بالتأكيد ". أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أن عمل الزينبيات هو قمع وضبط النساء في السجون وأماكن العمل المهنية والأماكن العامة.

"إذا تم اكتشافك ، فسوف يعتقلونك [الحوثيون] ويعذبونك" ، تم تحذيري. ذكرني بمقال قرأته قبل بضع سنوات ، يشرح بالتفصيل الانتهاكات ، مثل الضرب والتعذيب النفسي ، التي ارتكبها الحوثيون ضد النساء المعارضات. كما تذكرت محنة عارضة الأزياء اليمنية المحتجزة والمحاكمة انتصار الحمادي ، التي بحثت عنها في عملي السابق في هيومن رايتس ووتش. انتصار لا تزال في سجن للحوثيين.

أصبحت صنعاء قلب جمهورية الخوف. ادعى الحوثيون أنهم قاموا بثورة ضد الفاسدين عندما سيطروا على العاصمة في عام 2014. لكنهم أصبحوا الآن فاسدين ، ويفرضون قمعهم السياسي والأمني ​​القاسي على الجميع في المناطق التي يسيطرون عليها. في غضون ذلك ، اتُهم أعضاء في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بالتورط في الانتهاكات. وفقًا لجماعات حقوق الإنسان، شنت السعودية ، إلى جانب الإمارات ، هجمات عشوائية على المدنيين والبنية التحتية المدنية في أجزاء كثيرة من اليمن. تم اتهام جميع أطراف النزاع بارتكاب انتهاكات لقوانين حقوق الإنسان الدولية التي تقول المنظمات الحقوقية إنها قد ترقى إلى جرائم حرب.

اليمن الجديد

من المستحيل التنبؤ بما يخبئه المستقبل لليمن. من المرجح أن يصبح التقسيم الفعلي الحالي دائمًا. الدولة اليمنية التي نشأت فيها تفككت. كل القصص التي رواها لي عائلتي وأصدقائي خلال زيارتي أظهرت لي أن الصراع المستمر منذ ثماني سنوات قد قسم البلاد إلى أجزاء كثيرة. في خضم الدمار ، تظهر يمنيات جديدات ، في انتظار الإرادة السياسية الكافية من الجهات الفاعلة المحلية أو الدولية للاعتراف بها.

بدأ أحمد وبطاقة هويته اليمنية ، مع منزله المزيف في حضرموت ، يبدوان منطقيين. قال: "انظري، يوجد اليوم أكثر من يمن". "السبب في أنني غيرت بطاقة هويتي وتظاهرت بأنني من حضرموت هو أنه يُنظر إليها على أنها سلمية. اليمن الآخر، الذي في الشمال والآخر في الجنوب ، في حرب محتدمة. من المستحيل حل الانقسام والتنافس بين الشمال والجنوب. الشماليين يمكن أن يكون لهم اليمن. يمكن للجنوبيين أن يكون لهم اليمن. وأنا أفضل اليمن في حضرموت ".

اليمنيون يختلفون حول ماهية الحل. بالنسبة لي ، فإن التقسيم المحتمل لليمن سيكون أهون الشرين. في شكلها الحالي ، في ظل الظروف والتوترات الحالية ، أصبحت الوحدة كارثية على المواطنين في جميع أنحاء البلاد. إذا انتهى مشروع التوحيد اليمني الشاب نسبيًا ، فقد يكون مهتزًا ومحفوفًا بالمخاطر ، ولكن على الأقل قد يكون لدى الناس فرصة ثانية لتصور دولة مستقرة جديدة خاصة بهم.

هل هذا شيء أريده؟ ليس بالضرورة ، لكنها بالأحرى مسألة أحاول أن أكون واقعيًا بشأنها. في الأيام القليلة الماضية من رحلتي التي استغرقت شهرًا تقريبًا ، وبينما كنت أستعد للعودة إلى المنفى ، أخذني أحمد في سيارته وتجاوزنا جامعة صنعاء ، حيث بدأت انتفاضة 2011. كان هناك النصب التذكاري ، المكان الذي كنا نسميه ساحة التغيير. "ما هو شعورك عندما ترين هذا المكان الآن؟" سألني أحمد. أجبت: "اشعر وكأنه جزء مني وكأنني أزور مقبرة ، حيث ولدت وتوفيت أحلام جيلي وتطلعاته ليمن ديمقراطي". لكن جزءًا آخر مني يعتقد أنه لا توجد طرق مختصرة للانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. الثورات المضادة لا مفر منها. تمامًا مثلما تمت الإطاحة بصالح ، ستتم الإطاحة بالحوثيين ".

أومأ أحمد برأسه. مع بعض الأمل على الأقل في صوته ، بدأ يتحدث عن الوقت الذي بدأ فيه كل شيء بالنسبة لي ، ثورة 2011 عندما كان لدي الكثير من الأمل في مستقبل البلاد. "لقد أظهر الماضي أنه مهما حدث ، سيستمر اليمن في العيش والبقاء والمقاومة".

*هذه ترجمة من قبل فريق موقع يمن فيوتشر (الرابط هنا) لمقالي الطويل بالانجليزية المنشور أولاً على موقع الجزيرة بالانجليزي، الرابط هنا

17‏/11‏/2022

الولاية الذكورية التي يفرضها الحوثيون على النساء في اليمن

UNFPA-Yemen(c)


المصدر: موقع درج - ١٧ نوفمبر ٢٠٢٢ -  لم يشهد اليمن في أيّ وقتٍ من تاريخه ولاية ذكورية تمنع النساء من السفر دون محرم. كان هذا أمراً تراقبه المرأة اليمنية من بعيد وهو يحدث في المملكة العربية السعودية مثلاً. أما اليوم، ومع انتهاء نظام الولاية على المرأة في المملكة العربية السعودية، فقد بدأت جماعة الحوثي المسلحة في فرض هذه الولاية على النساء في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.


قبل بضعة أشهر، أصدرت ميليشيات الحوثي توجيهات واسعة النطاق إلى شركات النقل ومطار صنعاء بعدم السماح لأيّ امرأة بالسفر دون محرم معها طوال الرحلة، سواء أكان التنقل بين المدن اليمنية أم إلى الخارج. علماً أن الحوثيين كانوا يهيئون الظروف لهذه القيود المفروضة على سفر النساء من فترة.


فقد كانت منصة “درج” واحدة من أوائل المنصات التي تحدثت عن هذه المسألة في مطلع عام 2019. ونشرت “منظمة العدل الدولية” تقريراً في أيلول/ سبتمبر من هذا العام، قالت فيه إن “الحوثيين يطبقون شرط المحرم، الذي لا يُشكل جزءاً من القانون اليمني، من خلال توجيهات شفهية. فمنذ نيسان/ أبريل، أصرّت السلطات الحوثية- القائمة بحكم الواقع- بشكل متزايد على شرط المحرم لتقييد حركة النساء في المناطق التي تسيطر عليها في شمال اليمن، بما في ذلك محافظات صعدة وذمار والحديدة وحجة وصنعاء”.

كتبت الصحافية اليمنية و.، منشوراً على صفحتها في “فيسبوك” في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ذكرت فيه أن شروط السفر مع المحرم قد خُففت، لِتقتصر على بعض الإجراءات الورقية فحسب. وهو ما يعني أن النساء أصبحن قادرات على السفر دون اصطحاب محرم معهن، مع ذلك لا تزال الإجراءات الورقية مرهقة وتمييزيّة.

التقيتُ مؤخراً خلال اجتماع مغلق عبر الإنترنت بمجموعة من نشطاء حقوق المرأة داخل اليمن وفي المهجر. تحدثتْ النساء داخل اليمن عن المعاملة البشعة والمهينة التي يتعرضعن لها عند نقاط التفتيش، وهو ما يحرمهن حرية التنقل. وقالت واحدة منهن- ينبغي عدم الكشف عن هويتها للحفاظ على سلامتها- إنه في بعض المدن التابعة للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يحظر على النساء حتى المشي في الشوارع دون محرم، بل وفي بعض الحالات- في مدينة حجة- طُلب من النساء اصطحاب محرم من أجل الذهاب إلى المستشفى. أخبرتنا محامية أخرى عن سيدة احتجزها الحوثيون ثلاثة أيام لمحاولتها السفر دون محرم.

حدثت انتهاكات جسيمة وغير مسبوقة لحقوق النساء خلال فترة حكم الحوثيين. فخلال عملي الممتد لقرابة 15 عاماً في مجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، لم يحدث أن شهدتُ حالات مروعة كتلك. إذ تواجه النساء انتهاكات عدة من بينها القمع خلال التظاهرات والاحتجاز والتعذيب والعنف الجنسي في مراكز الاعتقال.

وعام 2020، وجد محققون تابعون للأمم المتحدة أن ثمة نمطاً متزايداً من قمع النساء في اليمن. وتحدث الفريق عن: “شبكة تابعة للحوثيين متورطة في قمع النساء المعارضات لحكمهم، من خلال عدة وسائل، من بينها استخدام العنف الجنسي”. وبسبب هذه التصريحات، رفض الحوثيون السماح للفريق ذاته بدخول صنعاء في العام التالي من أجل ممارسة عملهم، أيّ التحقيق في تجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان. فعام 2021، نشرت الأمم المتحدة تقريراً ذكرت فيه أن “الحوثيين رفضوا دخول مسؤول بارز في الأمم المتحدة إلى صنعاء، إثر نشر تقرير لفريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة، والكشف عن انتهاكات تتعلق بالعنف الجنسي”.

ووفقاً لتقرير نشرته “منظمة سام للحقوق والحريات” في مارس/آذار 2022، فإن القوات التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وبعض القوات الأخرى التي لا تخضع لها متهمة أيضًا بارتكاب انتهاكات وتجاوزات ضد النساء.

بالنسبة إلى الحوثيين، فإن تمتُّع المرأة بمكانة بارزة يمثل تهديداً لميليشيات الحوثي. إذ تُشكل النساء خطراً كبيراً لهم خاصة إذا كن متعلمات ويمكنهن الوصول إلى المجتمع الدولي. وعلى رغم من عدم وجود إحصاءات رسمية ذات صدقية ومحدثة حول مشاركة المرأة في سوق العمل، فإن معدل التحاق النساء بسوق العمل آخذ في التزايد، وبدأت النساء نوعاً ما بالعمل في مهن كان الرجال يهيمنون عليها في الماضي. ويُعتقد أن النزاع المطول ساهم في زيادة القوى العاملة من النساء نسبياً.

يخشى الحوثيون، شأنهم شأن الكثير من الرجال في اليمن، من تفوق النساء في المجالات التي يعملون فيها. يعد اجتهاد النساء وتفوقهن بمثابة تذكير للرجال بفشلهم في كل ما يفعلونه. ويُشكل تهميش واضطهاد الحوثيين للنساء دليلاً واضحاً على كراهية النساء المتجذرة في البلاد.

مع عدم وجود أيّ سلطة أو نفوذ للحكومة المعترف بها دولياً في اليمن على جماعة الحوثي المسلحة، لا يوجد أمام المرأة اليمنية سوى اللجوء إلى المجتمع الدولي، أيّ مناشدة جميع الدبلوماسيين البريطانيين والأميركيين والأوروبيين وكافة منظمات حقوق الإنسان الدولية من أجل الضغط على جماعة الحوثي لإنهاء شرط المحرم.

والأهم من ذلك، هو أن كلاً من: المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، هانس غروندبرغ، والمبعوث الأميركي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ، لديهما التزام أخلاقي كبير، يحتم عليهما الضغط على جماعة الحوثي. فعلى غروندبرغ إطلاع مجلس الأمن الدولي في أقرب وقت ممكن بشأن هذا الانتهاك الجسيم بحق المرأة اليمنية، لأنه كلما اشتدت حدة الإدانة، ازداد الضغط على الحوثيين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال بقلم أفراح ناصر، نُشر أولاً على موقع درج بتاريخ ١٧ نوفمبر ٢٠٢٢